ثقافة وفنون

قراءة في كتاب « جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: مسيرة علم و إصلاح »

إعداد: دليلة قدور

(الجزء الأول)

بقلم: جمال الدين خنفري – الجزائر-

   صدر مؤخرا عن دار علي بن زيد للطباعة و النشر بسكرة  الجزائر، كتاب بعنوان  » جمعية العلماء المسلمين الجزائريين  مسيرة علم و إصلاح  » قام بجمع مادته العلمية و ألف بينها الأستاذ :  » كمال بن عطاء الله  » رئيس شعبة بلدية ليشانة – ولاية بسكرة – التي توزعت على امتداد 116 صفحة من القطع المتوسط في طبعة أنيقة جذابة و بأسلوب بليغ سهل و طرح موضوعي هادف.

   أما توطئة الكتاب فقد حوت تصورا لواقع مر و سبل التخلص منه ، حيث جاء فيها:  » رغم ظلامة المكان و ضيق الزمان و شراسة الأعداء و الخصوم و استشراء وسائل التجهيل و الحقد والكراهية و العدائية بأشكالها المتطرفة المتعفنة … يبزغ الفجر و يشرق الصبح برجال عظماء مصلحين يحتذى بهم و جعلهم نبراسا و منهاجا للسير على هديهم في طريق الإصلاح و تعميم الخير للخروج من المآزق و الأزمات النفسية و الإيمانية و غيرها ».

   كما يضيف الكاتب كاشفا في هذه التوطئة الدافع الذي جعله ينكب على هذا التأليف و إخراجه للناس بقوله: « و في هذا الصدد آليت على نفسي الكتابة في هذا الشأن بأسلوب بسيط، دون تعقيد لنعرف الأحباب و الإخوة الأعزاء من طلبة ثانويين و جامعيين و غيرهم من الطبقة العامة القارئة لتعم الفائدة و نستنهض الهمم و نسترجع الثقة في توبة حقيقية و تناغم و تكامل. و تضامن مبني على الاطلاع العلمي الرصين لإصلاح أوضاعنا و الخروج من حالة التردي و الرهن، بل الضعف المهين و التخلف القاتل و التي ندعو و نتضرع إلى الله أن يغير حالنا و يصلح أحوالنا وننتصر على أنفسنا، و تحت عنوان  » كلمة لابد منها  » صفحة 06 ) )

    يعترف الكاتب متحسرا على مرور الأيام التي لم يكتشف فيها هذا الكنز الثمين الذي تحوز عليه الجمعية و المتمثل في ( تراثها ) كاشفا في الوقت ذاته عن تفطنه المتأخر الذي زاده ألما و ندامة.

هذا من جهة و من جهة أخرى يعيب الكاتب على الذي يدعي الغيرة على الدين و حماية اللغة العربية و الدفاع عن الوطن كيف أن لا يكون مطلعا على آثار و مآثر مصلحي الجمعية في القرن العشرين.

 و في هذا الإطار، يدعو الكاتب إلى ضرورة توجيه عناية الشباب إلى الاغتراف من هذا التراث بالاطلاع عليه و دراسته و الاقتداء بعلماء الجمعية في التضحية بالوقت و الجهد و المال في درب النهوض بالأمة و الارتقاء بها إلى المعالي في ظل أصول الشريعة السمحاء.

هذا و قد احتوى الكتاب على عدة محاور أساسية مترابطة متكاملة.

بدأها بالتطرق إلى بدايات تكوين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و مختلف المراحل التي مرت بها إلى أن برزت إلى الوجود، و هذا انطلاقا من انبثاقها عن مجرد فكرة في سنة 1913 م تبلورت في ذهني الشيخين ( عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي ) عندما كانا في بلاد الحجاز يقضيان جل وقتهما في بحث الأوضاع المتردية للجزائر و سبل النهوض بها من كبوتها و في هذا يقول البشير الإبراهيمي :  » و أشهد الله على أن تلك الليالي من عام 1913 م هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين و التي لم تبرز للوجود إلا عام 1931م « .

و عند عودة الشيخ ابن باديس إلى أرض الوطن أضاف الكاتب اتجه التفكير إلى تنفيذ الخطة الإصلاحية التي بدأها في سنة 1924م بتأسيس جمعية باسم ( الإخاء العلمي ) تجمع شمل العلماء و الطلبة و توحد جهودهم و تقارب بين مناحيهم في التعليم و التفكير و تكون صلة تعارف بينهم ومزيلة لأسباب التناكر و الجفاء. و قد اختير أن يكون مركزها العام بمدينة قسنطينة العاصمة العلمية.

بيد أن هذا المشروع مثلما أكد الكاتب باء بالفشل في ظل عدة عوامل منها ذاتية و أخرى موضوعية، و ما يسجل هنا أن هذا الإحباط لم ينل من عزم الجماعة و رأت فيه درسا مفيدا لاستخلاص العبر – و هذا ما كان فعلا – و من أثره و نتائجه و بعد مرور أعوام حتى كان تكوين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، و من مآثر قول الشيخ البشير الإبراهيمي في هذا الصدد :  » من الأعمال ما يكون الفشل فيه أجدى من النجاح « .

و من الأمور التي هيأت الجو الفكري لهذه الجمعية مثلما اعترف الكاتب هو أن ابن باديس بادر بإنشاء الصحف التي تنشر الأفكار الإصلاحية و المبادئ التي تقوم عليها هذه الأفكار. مؤكدا أن العلامة الشيخ ابن باديس دعا في مختلف الصحف إلى اتحاد العلماء وتجمعهم و الاتفاق على خطة عمل لإصلاح الأوضاع المتردية في شتى المجالات. مشيرا إلى أن هذا لا يأتي إلا في إطار تنظيمي و هذه دعوة منه كما يقول الكاتب إلى ضرورة إنشاء جمعية من العلماء.

و لتحقيق هذا المسعى أشار الكاتب إلى لقاءات ابن باديس العديدة مع ما يمكن وصفهم بـ   » رواد الإصلاح  » و ما ترتب عن ذلك من نتائج مكنتهم من التوصل إلى تسطير برنامج يهدف إلى النهوض بالجمعية المزمع إنشاؤها.

 و موازاة مع هذا النشاط، لم يغفل الكاتب دور   » نادي الترقي  » في المجال الثقافي خلال الفترة الفاصلة بين عام 1926م و عام 1930م حيث يقول عنه :  » فكان ملتقى النخبة المفكرة في الجزائر و كانت تلقى فيه المحاضرات و تقام فيه الندوات  » مستعرضا في السياق نفسه جهود ابن باديس في  » النادي  » مؤكدا حضوره الدائم في  » النادي  » يحاضر فيه ويجتمع بالشباب من طلبة العلم و المفكرين. و من ثمَ كان  » النادي  » بذرة صالحة مهدت للنهضة الجزائرية حسب قول الكاتب أسست لوجود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في 05/ ماي /1931م بالعاصمة إثر اجتماع تأسيسي بـ  « نادي الترقي  » حضره 70 عالما و من شتى الاتجاهات الدينية و المذهبية.

و مما يذكر الكاتب في هذا الشأن أن ابن باديس لم يحضر هذا الاجتماع إلا في يومه الثالث حيث تم استدعاؤه و انتخب رئيسا للجمعية. وعن أسباب غياب ابن باديس حضور الاجتماع التأسيسي للجمعية يكشف الكاتب ذلك من خلال ما جاء من توضيح على لسان أحد مؤسسي الجمعية الشيخ خير الدين الطولقي حيث يقول :  » و أسر إلينا ابن باديس انه سوف لا يلبي دعوة الاجتماع ولا يحضر يومه الأول حتى يقرر المجتمعون استدعاءه ثانية رسميا لحضور الاجتماع العام فيكون بذلك مدعوا لا داعيا. و بذلك يتجنب ما سيكون من ردود فعل السلطة الفرنسية و أصحاب الزوايا و من يتحرجون من كل عمل يقوم به ابن باديس « .

ثم انتقل الكاتب في هذا المحور إلى الحديث عن الظروف التي نشأت فيها الجمعية و التي تمثلت في:

1-    احتفال الاحتلال الفرنسي على مرور 100 سنة على وجوده بالجزائر مستفزا مشاعر الأهالي

    2 – انعقاد المؤتمر الإسلامي  في ديسمبر 1931م بالقدس لتوحيد الصف الإسلامي  بعد سقوط الخلافة الإسلامية.

كما استعرض العوامل التي ساعدت على ظهور الجمعية و التي حددها الشيخ البشير الابراهيمي في أربعة نقاط:

1-    مواجهة المعارضين لأفكار محمد عبده من الفقهاء الجزائريين المتزمتين من خلال ماتصدره مجلة  » المنار  » المصرية

2 – دروس ابن باديس المؤثرة في الأوساط الشعبية

3 – تنمية الوعي الفكري عند الشعب في أعقاب الحرب العالمية الأولى

4 – عودة الطبقة المثقفة من الجزائريين من المشرق العربي . (يتبع)

Leave a Reply