جاري التحميل الآن

الخالة فاطمة: رمز للأصالة وحب الوطن والإيمان الحقيقي

الخالة فاطمة: رمز للأصالة وحب الوطن والإيمان الحقيقي

تقول خالتي فاطمة ” كانت البيوت ضيقة لكن القلوب كانت تتسع للجميع على العكس في أيامنا هذه اتسعت البيوت وضاقت القلوب هذا البيت كان شاهدًا على أسمى معاني التضحية والوطنية.”

مع أولى ساعات الصباح البارد في قرية الطريش التابعة لبلدية واد ليلي ولاية تيارت ، تستيقظ الخالة فاطمة، (وهو اسم أطلقته عليها) لتبدأ يومها بصلاة الفجر بخشوع تام، ثم تتجه مباشرة إلى إشعال الفرن التقليدي لإعداد الكسرة. في تفاني وحب لحياتها البسيطة ، تعد الكسرة من دقيق اختارت حبات القمح بعناية فائقة، ثم طحنته بنفسها باستخدام الرحى القديمة المصنوعة من الحجر. تقول بحماسة: “العجين يحتاج إلى الراحة قبل وضعه في الفرن، وهذا سرّ الطعم المميز.”

قبل أن تضع العجين، تنظف الفرن جيدًا وتستخدم “الدوم” وهو نبات شائع النو في المنطقة له رائحة مميزة يضفي نكهة فريدة لطعم الخبز تقول الخالة فاطمة “يجب نفض الدوم جيدا قبل وضعه كي لا يلتصق بالكسرة وتضيف أيضا مبتسمة: “النار القوية تُفسد العجين، لذلك يجب التعامل مع الفرن بحذر فلا نتركه يبرد حتى يفقد ناره ولا ساخن حتى يحرق الكسرة .” هذا الفرن التقليدي يصنع من الحجر والطين و يوقد بالحطب و يعد من أقدم وسائل الطهي التي تعود لأزمنة بعيدة .

لا تكتفي الخالة فاطمة بإعداد الكُسرة للعائلة فقط، بل تتجاوز ذلك إلى الجيران وأحيانًا للبيع كوسيلة لدعم دخل الأسرة. “العيش الحقيقي هو عندما تعطي مما تملك ، حتى لو كان قليلًا.” تقول وهي تدخل يدها التي حفرت فيها السنوات خطوطًا تحكي قصصا عن الصبر والكفاح والمثابرة داخل الفرن لتقلب الخبز.

“أذهب بالحليب والخبز للجيران صدقة، وأتحمل المشقة بنفسي لكي أنال الأجر، لأن المشقة ليست للجيران، بل لتجنب مشقة يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون.” بهذه الكلمات البسيطة، تلخص الخالة جوهر فلسفة حياتها المبنية على التضحية، الإيمان، وحب الخير.

بعد ذلك، تبدأ في حلب بقرتها، وهي تعاملها بحب واهتمام. تقول: “البقرة مصدر رزقنا، ويجب أن نعاملها برفق. إذا أكلت جيدًا وارتاحت، تعطينا حليبًا وفيرًا.” الحليب لا يُستهلك فقط كما هو، بل تعد منه اللبن والزبدة بطرق تقليدية تعلمتها من والدتها. في عملية تسمى “المخض”.

تقول وفي نظارتها خشوع و طمأنينة “أذهب بالحليب والخبز للجيران صدقة، وأتحمل المشقة بنفسي لكي أنال الأجر، لأن المشقة ليست لأجل الجيران ، بل لتجنب مشقة يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون.” بهذه الكلمات البسيطة، تلخص الخالة فاطمة فلسفة حياتها المبنية على التضحية، الإيمان، وحب الخير.

ومع أخواتها، تحضر الكسكس في جلسة مليئة بالضحك والذكريات. تبدأ العملية بتنقية الدقيق باستخدام “السيّار”، وهو آلة تقليدية حلقية الشكل بها شبكة معدنية مختلفة أحجامها تستعمل لتنقية الدقيق وهي أحد مرحلة إعداد الكسكس ( الطعام ) أوما يسمى “بالفتل” وتوضح خالتي فاطمة : “الفتل هو السر، وهو الذي يعطي الكسكس نكهته. من المهم أن يُطهى مباشرة للحفاظ على طعمه المميز.” تضيف عن الأنواع المختلفة للطعام ( الشعيري والحموم والزعتر) وهي أطباق لم تغب عن موائد الأجداد.

تتحدث بحنين عن طفولتها، عندما كانت ترسلها والدتها بالكُسرة والقهوة إلى والدها المجاهد في الجبل. كانت تخطو خطواتها بحذر لتجنب أعين الأعداء. “لم تكن الطريق سهلة، لكنها كانت واجبًا وشرفًا.”

تستذكر الخالة فاطمة أيضًا زيارات المجاهدين إلى بيتهم البسيط. رغم صغر المكان، تقول خالتي فاطمة ” كانت البيوت ضيقة لكن القلوب كانت تتسع للجميع على العكس في أيامنا هذه اتسعت البيوت وضاقت القلوب هذا البيت كان شاهدًا على أسمى معاني التضحية والوطنية.”

تختم حديثها بابتسامة هادئة: “برغم التغيرات التي نعرفها اليوم، يبقى الأصل هو البساطة أنا من الجبل مطماطية أصيلة “. 

وهيب قورصو 

إرسال التعليق