رحيل أحمد طالب الإبراهيمي…ضمير الجزائر الحي وشاهد على العصر
بقلم:أمينة شارف
فقدت الجزائر واحدًا من خيرة أبنائها، ورمزًا من رموزها الوطنية والفكرية، بوفاة أحمد طالب الإبراهيمي، الرجل الذي جمع بين الفكر والسياسة، بين النضال والكلمة، وبين الوفاء للماضي والرؤية للمستقبل.
رحل عن عالمنا في صمت الكبار، تاركًا وراءه سيرة عطرة وذاكرة حية ستبقى محفورة في وجدان الجزائريين.
ولد أحمد طالب الإبراهيمي سنة 1932، في بيت وطني أصيل، فهو نجل العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي، أحد أعمدة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. تربى على حب الوطن واللغة العربية، وعلى قيم العدالة والحرية والإصلاح. منذ شبابه، انخرط في الحركة الوطنية، مؤمنًا بأن الجزائر لا يمكن أن تنهض إلا بالعلم والمعرفة.
بعد الاستقلال، كان من الجيل الذي حمل على عاتقه مهمة بناء الدولة الجزائرية الحديثة. شغل عدة مناصب سامية، منها وزير التربية الوطنية، حيث ساهم في وضع اللبنات الأولى لنظام تربوي وطني أصيل، وحرص على ترسيخ اللغة العربية والهوية الجزائرية في المدرسة. ثم تولى منصب وزير الإعلام والثقافة، قبل أن يُعيَّن وزيرًا للشؤون الخارجية، فكان وجه الجزائر الدبلوماسي المشرق، وممثلها المخلص في المحافل الدولية.
لم يكن أحمد طالب الإبراهيمي مجرد رجل دولة، بل كان مفكرًا مثقفًا، يكتب ويحلل ويناقش، بعيدًا عن الأضواء أحيانًا، لكنه دائم الحضور في الضمير الوطني. اتسم بالاتزان والاعتدال، ودافع طوال حياته عن الحوار والوحدة الوطنية، رافضًا كل أشكال الإقصاء والانقسام.
وفي كل المراحل الصعبة التي مرّت بها الجزائر، ظل صوته ينادي بالعقل والحكمة، وبضرورة الاحتكام إلى قيم نوفمبر والمرجعية الوطنية الأصيلة.
كان الإبراهيمي شاهدًا على تحولات الجزائر منذ الثورة إلى الدولة، ومن الاستقلال إلى الأزمات، وظل حتى آخر أيامه رمزًا للثبات والمبدئية. لم يبدّل قناعاته، ولم يتاجر بمواقفه، بل ظل وفيًّا لوطنه ولرسالته، حتى غدا بحق ضميرًا حيًا وشاهدًا على العصر.
وبمجرد إعلان نبأ وفاته، عمّ الحزن مختلف أنحاء الوطن. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل التعزية، واستذكرت الأجيال مواقفه الوطنية وكلماته الصادقة. نعاه المثقفون والسياسيون والإعلاميون باعتباره أحد الوجوه النادرة التي جمعت بين الفكر والنزاهة والوطنية الصادقة، وأشاد الجميع بسيرته التي اتسمت بالتواضع والوفاء للمبادئ.
برحيله، تطوي الجزائر صفحة من صفحاتها المشرقة، لكنها تحتفظ بإرث فكري وسياسي سيبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة.
رحم الله أحمد طالب الإبراهيمي، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الجزائر خير الجزاء.



إرسال التعليق