احتضنتها كلية الأدب العربي والفنون بجامعة مستغانم
رسالة دكتوراه حول الصناعة المعجمية في المعاجم المدرسية العربية والجزائرية
احتضنت قاعة المناقشات داود فاطمة بكلية الأدب العربي والفنون بجامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم ، يوم الإثنين 02 جوان الجاري ، جلسة مناقشة اطروحة دكتوراه من إعداد الباحثة “اللوط بدرة” وبإشراف الأستاذ “جيلالي بن يشو” والتي تحمل عنوان “الصناعة المعجمية في المعاجم المدرسية العربية ، دراسة تحليلية نقدية في نماذج مختارة “. وقد جرت مجريات المناقشة أمام لجنة علمية ، تكونت من نخبة من الاساتذة المتخصصين في مجال اللسانيات و المعجمية ، وهم د. مختار لزعر، د. بن عيسى عبد الحليم، د. حاج علي عبد القادر، د. بن قبلية مختارية. وقد تم حصول الباحثة “اللوط بدرة” على شهادة الدكتوراه بتقدير مشرف جدًا، وإجازة اللجنة العلمية، وتوصيتها بطبع الرسالة.
و حسب الدكتورة ، تعد الصناعة المعجمية عملًا لا ينتهي في أية لغة من اللغات، يسايرها ويواكب مسيرتها وتطورها، ويساعدها على تحقيق مطالب فكرها وحضارتها، ويقيم مجدها وحضورها المعرفي والثقافي بين الأمم السائدة والمجاورة لها، وقد ساهم الهنود والصينيون واليونانيون في تأليف المعاجم، وفي تصنيف مفردات لغاتهم، وحظيت اللغة العربية كغيرها من اللغات القديمة التي ضربت بجذورها أعماق التاريخ، بعناية بالغة من قبل لغوييها وعلمائها، وغدت صناعة المعجم من صلب اهتماماتهم بوصفها فن وتحرير وإنشاء وتصنيف. وقد عالجت الاطروحة الموضوع ، حسب رؤيتها ، وفق هذا المسعى الذي يروم تأسيس صناعة معجمية مدرسية، وفي ظل هذا التحول النوعي في استراتيجية تأليف معاجم وقواميس مدرسية بمواصفات وآليات تقنية، تلائم شكلًا ومضمونًا مستويات المتعلمين الذهنية والعمرية، وتعينهم في تحصيلهم اللغوي، وتثري رصيدهم المعرفي وتنمي مهاراتهم. ولعل الأسباب الداعية إلى البحث في هذا الموضوع هو التأسيس لدراسة معجمية مدرسية، والوقوف على المنجز منها، والرغبة في البحث في هذا المجال الحيوي والخصب، واستقراء جهود المختصين في الصناعة المعجمية المدرسية العربية والجزائرية بخاصة، ومدى إسهاماتهم في تزويد الناشئة بمعاجم وقواميس نفعية ووظيفية وتعليمية تلبي احتياجات المتمدرسين وتواكب تطلعات العصر، وبمقتضى هذا العنوان انطلقت الباحثة من الإشكالات والتساؤلات الآتية: ماذا نقصد بمصطلح “المعجم” و”القاموس” وما هي طبيعة العلاقة بينهما؟ ما مفهوم الصناعة المعجمية، وما هي أسسها وخطواتها؟ وما هي إرهاصاتها الأولى عند العرب؟ ماذا يراد بالمعجم المدرسي، وما هي مصطلحاته، وتسمياته؟ ما هي البدايات الأولى للصناعة المعجمية المدرسية، وكيف تطورت حركة التأليف فيها؟ ما نصيب الجهود الجزائرية في الصناعة المعجمية المدرسية؟ فيما تتمثل مواصفات المعجم المدرسي؟ وما هي ضوابط بنائه؟ وإجابة على هذه التساؤلات، تم اعتماد المنهج الوصفي التحليلي بوصفه الأنسب والملائم للدراسة، والاستعانة بالمنهج الإحصائي، الذي يساعد على التنظير والتأسيس لمصطلحات الدراسة، والتطبيق لها على نحو تقسيمي تصدره فصل تمهيدي أُسًس لمصطلحات الدراسة ومفاهيمها الأساسية وهي: المعجم/ القاموس/ الصناعة المعجمية، ثم عرض أهم أسس الصناعة المعجمية وخطواتها، وفي المبحث الأخير التحدث عن النواة الأولى للتأليف المعجمي عند العرب بدءً بالتأليف في غريب القرآن، وغريب الحديث ثم الرسائل اللغوية، والتمييز في آخر الفصل بين نوعين رئيسيين في حركة التأليف في المعاجم العربية هما: معاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني أو الموضوعات.
و من نتائج هذا البحث، استعرضت الدكتورة العديد من الجوانب المهمة التي تساهم في فهم الموضوع وإثرائه من جوانب عدة. من حيث التأسيس للمفاهيم الأساسية للبحث ، بينت آراء العلماء المختلفة والمتباينة تنوع الدلالات اللغوية في مادة [ع ج م] و [ ق م س]، وتباين معناه الاصطلاحي، وتجنبًا لأي التباس اعتمدت مصطلح “المعجم” و”القاموس” بمعنى واحد وتوظيفهما في دراستها تجنبًا لأي التباس بوصفهما وجهان لعملة واحدة. عرف العرب الصناعة المعجمية منذ القرن الأول الهجري، وشكلت مؤلفات غريب القرآن، والحديث، والرسائل اللغوية روافد أساسية لصناعة المعجم العربي من حيث المادة اللغوية التي وفرتها، لتكون مصدرًا مهمًا في الكشف عن مفردات العربية، والتعريف بمعانيها، وضبط بنيتها، والوقوف على تصريفها، واشتقاقها، وتأليف حروفها، كما كان لها فضل السبق في اعتماد الترتيب الهجائي لأوائل الكلمات كأساس لترتيب حروف المعجم. مهما تعددت تسميات المعجم المدرسي من “مدرسي”، “طلابي”، “مرحلي”، “تعليمي”، “معجم الناشئة”، إلا أنها تتفق في الهدف والوظيفة، فهي معاجم موجهة لفئة المتعلمين على اختلاف أعمارهم، وفق مراحلهم التعليمية تساعدهم على فهم الكلمات والألفاظ الصعبة وشرحها وتيسيرها، وتنمي وتثري حصيلتهم اللغوية، وتوسع ثقافتهم المعرفية. تنوع التأليف في المعاجم المدرسية وازدادت حركيتها نتيجة تطور الحاجة إليها، وعكس تنوع الأساليب المعتمدة في المعاجم عبر الزمن. وبين دور المعاجم في الحفاظ على اللغة وتوثيق مفرداتها، كما أظهر تباينها في طريقة ترتيب الكلمات وتصنيفها. يعد المسح المعجمي خطوة محورية لفهم تطور نظم تصنيف المفردات اللغوية، مما يسهم في إثراء المعرفة اللغوية وفتح آفاق جديدة لفهم بنيتها وتطورها. تعد التجربة الجزائرية في تأليف المعاجم المدرسية تجربة معجمية رائدة تضاف إلى التجربة القاموسية العربية، اكتسبت أهميتها من خصوصيتها النابعة من قيمتها التربوية والبيداغوجية، فهي معاجم تعليمية وظيفية وأداة عمل تيسر البحث لدى المتعلمين، وتأمل الباحثة من المختصين في حقل المعجمية الحرص على إعداد قواميس مدرسية تنسجم مع المناهج التعليمية والمقررات الدراسية المعتمدة في وزارة التربية الوطنية. من خلال دراسة النماذج المختارة، تبين بوضوح أهمية اختيار الأسلوب والمنهج الأنسب عند إعداد المعاجم المدرسية، حتى تتناغم مع احتياجات الطلاب في مختلف المراحل الدراسية وتواكب تطورهم المعرفي المتسارع.
أظهرت الدراسة أن تنوع مناهج الترتيب في المعجم يعد من أبرز العوامل التي تساهم في تعزيز قدرة الطالب على استيعاب المفردات اللغوية والبحث عنها، واستخدامها في السياقات المختلفة، الأمر الذي يتطلب مراعاة دقيقة للبساطة والوضوح في التفسير، مع ضرورة إدراج الأمثلة الواقعية التي تسهل الفهم وتيسر عملية التطبيق. كما بينت النتائج أن المعاجم المدرسية يجب أن تكون مرنة وقابلة للتحديث المستمر لمواكبة التطورات اللغوية والثقافية التي تطرأ على المجتمعات، وذلك لضمان استفادة الطلاب من الأدوات التعليمية بأكبر قدر ممكن. يجب أن تتسق هذه المعاجم مع متطلبات العصر وتلبي احتياجات الأجيال الجديدة بما يضمن الفاعلية في تعليم الطلاب، ويسهم في تطوير فهمهم العميق لها، فالدور الأساسي للمعجم المدرسي بناء مجتمع معرفي متقدم يسعى لتحقيق التطور العلمي والثقافي المستدام من خلال تزويد الطلاب بالأدوات التعليمية الفعالة. وإذ تؤمن الباحثة بأن النتائج التي تم التوصل إليها تشكل خطوة هامة نحو تطوير هذا المجال من المعرفة، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الباحثين لاستكشاف المزيد من الموضوعات ذات الصلة. كما تأمل أن يسهم هذا البحث في إثراء المكتبة الأكاديمية، وأن يكون دافعًا للمزيد من الدراسات المستقبلية التي تساهم في تحسين الفهم وتعميق الوعي حول هذه الدراسة. وفي ختام هذه الدراسة، تؤكد الدكتورة اللوط بدرة على ضرورة الاستمرار في البحث والتطوير في هذا المجال الحيوي، لكي تظل المعاجم المدرسية قادرة على تزويد الأجيال بالأدوات التعليمية التي تساهم في الارتقاء بمستوى التعليم اللغوي، وتعميق الفهم اللغوي، وتوسيع آفاق المعرفة لدى الطلاب، مما يسهم في بناء مجتمع معرفي متقدم يسعى إلى تحقيق التطور العلمي والثقافي المستدام. و وتوصي بضرورة التحديث المستمر للمعجم المدرسي بشكل دوري لمواكبة التطورات اللغوية والثقافية، لضمان احتياجات الطلاب في مختلف مراحلهم الدراسية وتواكب التطور المعرفي المتسارع. على المجامع اللغوية والمؤسسات اللغوية أن تبادر إلى صناعة معاجم مدرسية ورقية ورقمية مرحلية تستجيب لكل مرحلة مدرسية تراعي سن المتعلم ومستواه المعرفي وتحقق الانسجام والتدرج في التحصيل الدراسي والمعرفي، وتواكب الكتاب المدرسي.
قورين ميلود
إرسال التعليق