بعد مسيرة حافلة.. الجزائر تودع الفنان القدير حمزة فيغولي
تلقى الوسط الفني الجزائري ببالغ الحزن والأسى نبأ رحيل الفنان القدير حمزة فيغولي، الذي وافته المنية عن عمر يناهز 86 عامًا بعد صراع مع المرض . وقد أكدت مصادر إخبارية متعددة نبأ الوفاة، مشيرة إلى أن الفقيد أسلم الروح فجر يوم الجمعة . كان حمزة فيغولي شخصية فنية استثنائية، تركت بصمة واضحة في سماء الفن الجزائري لعقود طويلة، حيث عُرف بكونه “روحًا فنية رسمت الضحكة ونقلت الحكايات ببراعة” . لم يقتصر تأثيره على مجال الفن فحسب، بل امتد ليشمل التربية والوطنية، مما جعله شخصية لا تُنسى في قلوب الجزائريين .
عقب الإعلان عن وفاته، سارع وزير الثقافة والفنون، السيد زهير بللو، بتقديم أخلص التعازي والمواساة إلى أسرة الفنان الراحل وإلى جميع أفراد الأسرة الفنية . وأشاد الوزير بالفقيد ووصفه بأنه “فنان من طراز رفيع”، مؤكدًا على دوره البارز في إدخال البهجة ونقل القصص ببراعة إلى الجمهور الجزائري . إن هذا الرد الرسمي السريع من أعلى هرم في وزارة الثقافة يعكس مدى التقدير الوطني لمكانة الفنان حمزة فيغولي وأهمية مساهماته الفنية على مستوى البلاد.
ولد حمزة فيغوليفي 11 سبتمبر 1938 بولاية تيارت حيث عاش عدة تحولات عاصر فيها مختلف المحطات التاريخية للجزائر ، هذه التحولات ساهمت في إذكاء شغفه المبكر بالفن منذ نعومة أظفاره، أبدى الفنان الراحل اهتمامًا خاصًا بعوالم المسرح والسينما وفنون الأداء، وسعى إلى تطوير موهبته من خلال تلقي المبادئ الأساسية لهذه الفنون على يد نخبة من الموجهين والمبدعين الذين كان لهم تأثير كبير في تلك الفترة هذا التعرض المبكر للفنون، في خضم فترة تحول وطني، من شأنه أن يكون قد غرس فيه حسًا عميقًا بالهوية الثقافية والوطنية التي تجلت لاحقًا في أعماله
لم يمض وقت طويل حتى استطاع حمزة فيغولي أن يترك بصمته في مختلف المجالات الفنية، سواء كانت مسرحية أو سينمائية أو حتى من خلال البرامج التلفزيونية الموجهة للأطفال .
إن النجاح الذي حققه في وقت مبكر من حياته المهنية في مجالات فنية متنوعة يشير إلى موهبة فذة وقدرة استثنائية على التواصل مع مختلف شرائح الجمهور. كما أن دوره في البرامج الموجهة للأطفال كان له أثر بالغ في تشكيل الوعي الثقافي لدى الأجيال الناشئة
أسر القلوب: تأثيره في تلفزيون الأطفال من خلال “حديدوان” و”الحديقة الساحرة”
يُعد حمزة فيغولي من أبرز الفنانين الذين قدموا أعمالًا تلفزيونية لا تُنسى للأطفال في الجزائر، حيث اشتهر بتقديمه لبرامج مثل “حديدوان” و”الحديقة الساحرة” . تميزت هذه البرامج بكونها جمعت بين عنصري التعليم والترفيه، واستطاعت أن تنقل القيم والمبادئ التربوية إلى الأطفال بطريقة سلسة وجذابة .لقد كانت هذه الأعمال أكثر من مجرد وسيلة للتسلية، بل كانت أدوات فعالة في التنشئة الثقافية والأخلاقية للأطفال الجزائريين، مما يعكس إحساسًا عميقًا بالمسؤولية لدى الفنان تجاه جمهوره الصغير.
ارتبط اسم حمزة فيغولي بشخصية “ماما مسعودة” الشهيرة . وقد شكل ثنائيًا فنيًا ناجحًا مع الفنان الكوميدي حديدوان (محمد رؤوف إيقاش) . عُرف حديدوان بشخصية المهرج المحبوبة وشارك مع فيغولي في برنامج “الحديقة الساحرة” . لقد كان هذا التعاون بمثابة عصر ذهبي لكوميديا الأطفال في الجزائر، حيث استطاعت الشخصيتان أن تكمل كل منهما الأخرى وأن تخلقا تأثيرًا دائمًا في ذاكرة الطفولة الجزائرية
حظي برنامج “الحديقة الساحرة” بشعبية واسعة وكان له دور تربوي هام للأطفال . وقد كان من أهداف البرنامج المساهمة في تشكيل وحماية الهوية الجزائرية للأطفال . وقد عبر الفنان حمزة فيغولي عن مدى التزامه بالبرنامج وتأثيره على حياته الشخصية، مشيرًا إلى أنه كان يقضي وقتًا طويلاً في العمل على البرنامج لدرجة أنه كان يرى أبناءه “5 أيام في الشهر فقط” . إن عودة البرنامج في فترات لاحقة تعكس مدى تأثيره الدائم وأهميته الثقافية
حضور على الشاشة الفضية: أدوار لا تُنسى في السينما الجزائرية
شارك حمزة فيغولي في عدد من الأفلام السينمائية التي تركت بصمة في تاريخ السينما الجزائرية، من بينها فيلم “الطاكسي المخفي” . أُنتج هذا الفيلم الكوميدي المميز في عام 1989 ويُعتبر من أبرز الأعمال في تاريخ السينما الجزائرية . وقد جسد فيه فيغولي دور “قويدر الزدام” . يتناول الفيلم الحياة اليومية لعائلة جزائرية بسيطة ويعكس قضايا اجتماعية بأسلوب فكاهي . إن مشاركة فيغولي في هذا الفيلم الناجح، بشخصية لاقت استحسان الجمهور، ساهمت بشكل كبير في تعزيز مكانته كفنان كوميدي بارز
كما شارك الفنان الراحل في فيلم “ميدالية حسان” الذي أُنتج عام 1986 . الفيلم مقتبس عن مسرحية “البوابين” وهو عمل كوميدي شارك فيه نخبة من الممثلين الجزائريين البارزين مثل رويشد .
بالإضافة إلى ذلك، شارك فيغولي في أفلام أخرى مثل “الصحرا” (1981)، و”شرف القبيلة” (1993)، و”Beur blanc rouge” (2006)، و”موريتوري” (2007) . كما كان له حضور في التلفزيون من خلال مسلسلات مثل “كيد الزمن” (1999)، و”قهوة ميمون” (2012)، و”دار الجيران” (2012)، و”بوضو” (2013-2016)، و”رايح جاي” (2015) وفيلم المحنة . إن هذا الرصيد الغني من الأعمال السينمائية والتلفزيونية يعكس مسيرة فنية حافلة بالاجتهاد والتنوع
مرآة الوطن: تجسيد الهوية الثقافية والوطنية للجزائر
لم يكن حمزة فيغولي مجرد فنان يؤدي أدوارًا على خشبة المسرح أو شاشة السينما، بل كان رمزًا للروح الوطنية والمثابرة الفنية اتسمت شخصيته بالتواضع والالتزام بالقضايا الوطنية، مما جعله محبوبًا من قبل زملائه والمجتمع الفني والشباب على حد سواء إن هذه الصفات الشخصية، بالإضافة إلى اختياره للأدوار التي تعكس هموم وقضايا وطنه، ساهمت في بناء جسر من الثقة والمحبة بينه وبين الجمهور الجزائري
من خلال أعماله، حمل رسالة تربوية وأخلاقية، ساعيًا إلى بناء جسر من التواصل بين الثقافة والفن، وتجسيد قيم العدل والوطنية في كل عمل قدمه وقد وصفه أحد المقربين منه بأنه “كان حمزة مثالاً للفنان المخلص، الذي يرى في الفن وسيلة للتغيير وبناء مجتمع واعٍ ومترابط” وقد تجسدت هذه الروح الوطنية في العديد من أدواره، خاصةً في شخصية “ماما مسعودة” التي عكست صورة الأم الجزائرية الأصيلة والتي عُرفت بكونها “صانع بسمة البراءة
حظيت أعمال حمزة فيغولي بتقدير كبير من النقاد والمحللين الفنيين، بالإضافة إلى الحب الجارف من الجمهور ويُنظر إلى رسالته الفنية على أنها نبراس يضيء الطريق أمام المواهب الصاعدة، ومصدر إلهام لكل من يسعى لتطوير الساحة الثقافية والفنية في الجزائر وقد أكد أحد رفاق دربه الفنيين على إخلاصه لفنه ورؤيته للفن كأداة للتغيير الإيجابي وبناء مجتمع متماسك وواعٍ
وقد وُصف فيلم “الطاكسي المخفي” بأنه عمل كوميدي إجتماعي قدم رؤية فنية جديدة للسينما الجزائرية . استخدم الفيلم الفكاهة والخيال لاستكشاف دواخل الشخصيات خلال رحلة مليئة بالمواقف . ويُعتبر من أفضل الأفلام الكوميدية التي أُنتجت في الجزائر، حيث استطاع ببراعة أن يمرر رسائل اجتماعية في قالب فكاهي . كما قدم الفيلم قراءة للواقع الجزائري، مسلطًا الضوء على قضايا الفساد الإداري والأوضاع الاجتماعية . إن هذه الآراء النقدية تؤكد على أن فيغولي لم يكن مجرد ممثل كوميدي، بل كان فنانًا ملتزمًا استخدم فنه للتعبير عن قضايا مجتمعه
أعربت الأوساط الفنية والثقافية في الجزائر عن حزنها العميق لفقدان حمزة فيغولي، مؤكدة على أن رحيله يمثل خسارة كبيرة ليس فقط لعالم الفن، بل لكل من يؤمن بدور الفن في بناء المجتمعات وتشكيل الوعي الثقافي . وقد أصدر والي ولاية تيارت السيد سعيد خليل، تصريحًا رسميًا أعرب فيه عن خالص تعازيه ومواساته لأسرة الفنان وأهل الفن، مؤكدًا أن الراحل سيبقى رمزًا خالدًا في ذاكرة الوطن وأن إرثه الفني سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة
كما أكد وزير الثقافة والفنون على أن الجزائر فقدت فنانًا من طراز رفيع، مشيرًا إلى أن روحه الفنية كانت ترسم الضحكة وتنقل الحكايات ببراعة . وأضاف أن تأثيره تجاوز حدود الفن ليشمل التربية والوطنية، مما يجعله شخصية لا تُنسى . إن هذه الكلمات الرسمية تعكس الإجماع الوطني على أهمية الدور الذي لعبه حمزة فيغولي في إثراء الحياة الثقافية والفنية في الجزائر. وقد تركت أعماله “الذكريات العطرة” في قلوب محبيه كما أن الدعوات له بالشفاء أثناء مرضه والتقدير لعمله تدل على العلاقة القوية التي كانت تربطه بجمهوره.
وعلى الرغم من تعدد الجوائز التي تحصل عليها خلال مسيرته الفنية . فإن التقدير الكبير الذي حظي به من الجمهور على مدى عقود طويلة، بالإضافة إلى الإشادة الرسمية تعد من التكريم الرفيع لمساهماته القيمة في الفن والثقافة الجزائرية. ففي النهاية، يبقى حب الجمهور وتقدير الأوساط الفنية أسمى أنواع التكريم التي يمكن أن يحظى بها أي فنان.
لقد ترك حمزة فيغولي إرثًا كبيرًا لا يُنسى، ليس فقط من خلال الأعمال التي شارك فيها بل ومن خلال المبادئ والقيم التي روج لها فقد ساهم في رفع مستوى الوعي الفني والثقافي في الجزائر، وهو ما تجلى في الطريقة التي نالت بها أعماله تقدير النقاد وحب الجماهير ورغم رحيله، إلا أن رسالته الفنية ستظل نبراسًا يضيء الطريق أمام المواهب الصاعدة، ويُشكل مرجعًا هامًا لكل من يسعى لتطوير الساحة الثقافية والفنية في البلاد
إن ما يبقى لنا هو إرثه الفني الثمين والذكريات الجميلة التي تركها في قلوب محبيه، ورسالته التي لن تُنسى في مسيرة تاريخية حملت معها قيم الأصالة والابتكار والوفاء للوطن فلقد كان حمزة فيغولي أيقونة من أيقونات الفن الجزائري الذي عبّر عن روح الأمة وأحلامها عبر أدواره الفنية المتنوعة ، إن فقدانه يترك فراغًا كبيرًا في الساحة الثقافية، لكن إرثه سيظل مرجعًا خالدًا يُحتذى به
يمثل رحيل الفنان القدير حمزة فيغولي خسارة لا تعوض للساحة الفنية والثقافية في الجزائر. فقد كان فنانًا شاملاً أثرى الحياة الفنية في البلاد من خلال مسيرته الطويلة والمتنوعة في المسرح والسينما والتلفزيون، وخاصةً من خلال أعماله الخالدة الموجهة للأطفال مثل “حديدوان” و”الحديقة الساحرة”. لقد استطاع بفضل موهبته الفذة وشخصيته المحببة أن يكسب قلوب الجماهير ويحظى بتقدير النقاد، وأن يترك بصمة واضحة في الذاكرة الفنية الجزائرية. سيبقى حمزة فيغولي رمزًا للروح الوطنية والإبداع الفني الأصيل، وسيظل إرثه الفني مصدر إلهام للأجيال القادمة من الفنانين والمثقفين في الجزائر.
وهيب قورصو
إرسال التعليق