تيارت: فيلم سينمائي الطويل حول حياة الشهيد “حمداني عدة”
تستعد ولاية تيارت لإطلاق مشروع سينمائي طموح يروي سيرة أحد أعلام الثورة الجزائرية، الشهيد “حمداني عدة” الملقب بـ”سي عثمان”، في خطوة تُعد امتداداً للجهود الوطنية الرامية إلى إحياء الذاكرة الجماعية وتعزيز الهوية الوطنية. ويندرج هذا المشروع الواعد ضمن رؤية استراتيجية متكاملة تهدف إلى توثيق بطولات رجالات الثورة التحريرية وتخليد تضحياتهم بأسلوب فني راقٍ يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وقد جاء الإعلان عن هذا المشروع السينمائي المرتقب بدار الثقافة علي معاشي سهرة الأربعاء الفارط ، حيث كشفت المصادر الرسمية عن تفاصيل هذا العمل الذي سيتناول مسيرة الشهيد “حمداني عدة” بكل ما حملته من تحديات ومواقف بطولية خلدها التاريخ. وفي هذا الصدد، أكد والي ولاية تيارت السيد سعيد خليل خلال حفل الإعلان عن المشروع: “هذا العمل يعتبر الجسر الحضاري بين الأمس والغد، وهو وسيلة لترسيخ القيم الوطنية وتعريف الشباب بمسيرة الأبطال الذين صنعوا مجد الجزائر بدمائهم وتضحياتهم.”
ويعكس هذا المشروع السينمائي الطموح توجهات القيادة العليا في البلاد التي ما فتئت تشدد على ضرورة الاهتمام بالتاريخ الوطني ونقله للأجيال القادمة بطريقة معاصرة تحافظ على جوهره. ولعل ما يميز هذا العمل هو حرص القائمين عليه على تقديم سيرة الشهيد “سي عثمان” بأسلوب يجمع بين الدقة التاريخية والحبكة الدرامية المشوقة، مما يضمن إيصال الرسالة بفعالية أكبر إلى الجمهور المستهدف.
وفي هذا السياق، صرح المخرج حليم زروقي قائلاً: “تحدي تقديم سيرة المناضلين يكمن في القدرة على المزج بين الحقيقة التاريخية والمعالجة الدرامية التي تجذب المشاهد وتؤثر فيه.” في رؤية تعكس الوعي العميق بأهمية الموازنة بين الالتزام بالوقائع التاريخية من جهة، والحاجة إلى تقديم عمل فني متكامل يستقطب اهتمام المشاهدين من جهة أخرى.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع لا يمثل مجرد عمل فني ، بل هو جزء من استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى حفظ الذاكرة الجماعية وترسيخ قيم الثورة في نفوس الأجيال الصاعدة. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، تم تشكيل لجنة متخصصة تضم مختلف الجهات المعنية، حيث تلعب مديرية المجاهدين وذوي الحقوق دوراً محورياً في توفير المادة التاريخية الموثقة، بينما تتكفل مديرية الثقافة بتقديم الدعم الفني واللوجستي اللازم لإنجاح المشروع.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة “سينما الشباب” ستكون الجهة الإنتاجية المسؤولة عن تنفيذ هذا العمل السينمائي، وهو ما يعكس الثقة في الكفاءات الوطنية الشابة ودورها في المساهمة في الحفاظ على الذاكرة الجماعية. فضلاً عن ذلك، فإن اختيار شخصية الشهيد “حمداني عدة” كمحور لهذا العمل لم يكن اعتباطياً، بل جاء نظراً للمكانة المرموقة التي يحتلها هذا الشهيد في ذاكرة الثورة الجزائرية ودوره البارز في تنظيم صفوف ضد المستعمر الفرنسي.
علاوة على ذلك، يندرج هذا المشروع في إطار التوجيهات السيد رئيس الجمهورية التي أكدت مراراً على ضرورة الحفاظ على تاريخ الثورة وتعزيز الهوية الوطنية من خلال أعمال فنية رصينة تخاطب مختلف شرائح المجتمع، وخاصة فئة الشباب. وبناءً على هذه التوجيهات، شرعت الفرق الفنية والتقنية في بدء أعمالها التحضيرية التي تشمل كتابة السيناريو والبحث التاريخي المعمق الذي سيستمر لبضعة أشهر لضمان الدقة والمصداقية.
وفيما يتعلق باختيار الممثلين، فقد أشارت المصادر إلى أن عملية الانتقاء ستكون دقيقة ومدروسة، حيث سيتم اختيار ممثلين محترفين قادرين على تجسيد شخصيات تلك الحقبة التاريخية بكل أبعادها. وسيخضع هؤلاء الممثلون لورش تدريبية خاصة تمكنهم من فهم طبيعة المرحلة التاريخية وخصوصياتها، مما يضمن تقديم أداء مقنع يعكس روح تلك الفترة.
ومن بين الخطوات المهمة التي ستميز هذا العمل السينمائي، اعتماد نهج التصوير في المواقع التاريخية الحقيقية التي شهدت أحداثاً مرتبطة بحياة الشهيد “حمداني عدة”. هذا النهج يُعد خطوة استراتيجية لتعزيز مصداقية العمل السينمائي وإضفاء طابع الواقعية عليه، مما يساهم في إعادة إحياء الأحداث التاريخية كما عاشتها الأجيال السابقة.
وفي سياق متصل، أشار والي تيارت إلى التجارب السابقة الناجحة في هذا المجال، وخاصة الفيلم الذي تناول سيرة الشهيد علي معاشي، والذي حقق نجاحاً لافتاً بفضل الإتقان والإبداع الذي ميزه. وفي هذا الصدد، أكد السيد سعيد خليل: “في الأمس القريب، شاهدنا إنتاجهم حول الشهيد علي معاشي، والذي كان قمة في الإتقان والإبداع. وأنا واثق من أنهم اليوم أيضاً لن يدخروا جهداً في إنجاح هذا الفيلم.”
ورغم عدم تحديد موعد دقيق لعرض الفيلم، إلا أن التقديرات تشير إلى إمكانية الانتهاء من إنجازه خلال السنوات القليلة المقبلة. وتشمل المراحل المقبلة عمليات اختيار الممثلين، وتنظيم ورش التدريب، والشروع في التصوير، وصولاً إلى مراحل المونتاج والإخراج النهائي للعمل. هذا التخطيط المنهجي يعكس الجدية والاحترافية التي يتعامل بها القائمون على المشروع، مما يبشر بتقديم عمل فني يرقى إلى مستوى التطلعات.
ومن الناحية اللوجستية والتنظيمية، تم التنسيق مع عدد من الجهات الرسمية في ولاية تيارت، ومنها مديرية الثقافة ومديرية المجاهدين وذوي الحقوق، لتوفير كافة الإمكانيات والتسهيلات اللازمة لإنجاح هذا المشروع الوطني الهام. كما تمت الإشارة إلى تشكيل فريق عمل متكامل يضم مختلف التخصصات الفنية والتقنية، مما يضمن تنفيذ العمل وفق أعلى المعايير المهنية.
وعلى صعيد آخر، حظي الإعلان عن هذا المشروع السينمائي بترحيب واسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر العديد من النشطاء والمدونين عن تقديرهم لهذه المبادرة الوطنية التي تسعى إلى إحياء ذكرى أحد أبطال الثورة الجزائرية. هذا التفاعل الإيجابي يعكس مدى اهتمام المجتمع الجزائري بتاريخه الوطني ورغبته في الحفاظ على هذا الإرث الثمين ونقله للأجيال القادمة.
ومما تجدر الإشارة إليه بعض التفاصيل التاريخية المتعلقة بأحداث يوليو 1957 وبعض الإجراءات التاريخية في إطار الثورة، والتي تُعد معلومات ثانوية من حيث صلتها المباشرة بسيرة الشهيد “حمداني عدة”. هذه التفاصيل، رغم أهميتها التاريخية، إلا أنها لا تدخل في صلب القصة السينمائية التي يركز عليها المشروع الحالي.
وفي ختام حفل الإعلان عن المشروع، وجه والي تيارت كلمة حماسية أكد فيها دعم السلطات المحلية الكامل لهذا العمل الوطني، قائلاً: “كلنا معكم، من أمامكم ومن خلفكم، وإلى يمينكم وإلى يساركم، هو دعمٌ لكم؛ وسنعمل سوية لإنجاح هذا العمل.” هذه الكلمات تعكس روح التعاون والتضامن التي تميز المشاريع الوطنية الكبرى، وتؤكد على أهمية العمل الجماعي في تحقيق الأهداف المنشودة.
يمثل مشروع الفيلم السينمائي حول حياة الشهيد “حمداني عدة” خطوة بارزة في مسار السينما التاريخية الجزائرية، إذ يجسد التزام الدولة بحفظ الذاكرة الوطنية وترسيخ قيم النضال والتضحية. ومن خلال توثيق سيرة أحد أبطال الثورة والتحضير الدقيق لهذا العمل الفني، يُظهر المسؤولون حرصهم على تقديم رؤية متكاملة تجمع بين الدقة التاريخية والجودة الفنية، لتكون بذلك رسالة خالدة للأجيال القادمة مفادها أن الحرية لا تُمنح بل تُستحَقّ بدماء الأبطال وتضحياتهم.
ويبقى الأمل معقوداً على أن يشكل هذا المشروع السينمائي إضافة نوعية للمكتبة السينمائية الجزائرية التي تزخر بالأعمال التي تخلد تضحيات الشهداء، وأن يكون نافذة مشرقة تطل من خلالها الأجيال الجديدة على تاريخ وطني مجيد مليء بالعزيمة والإصرار والتضحية في سبيل الوطن.
وهيب قورصو
إرسال التعليق