تيارت : مهندسو النظافة يتحدون الصعوبات في شهر الصيام.
تتزاحم خطواتهم في الشوارع والأزقة قبل بزوغ الفجر، وتستمر حركتهم الدؤوبة حتى بعد منتصف الليل. إنهم جنود الصحة العامة وحراس البيئة، مهندسو النظافة الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على نظافة مدينة تيارت وجمالها. في كل يوم، يخوضون معركة صامتة ضد النفايات والمخلفات، مسلحين بعزيمة لا تلين وإرادة صلبة، خاصة في شهر رمضان المبارك الذي يزيد من تحديات عملهم.
وسط هذا المشهد الحضري المتنامي، تبرز مؤسسة “تيارت نظافة” كقوة فاعلة في تحقيق التوازن البيئي والصحي للمدينة. فقد أصبحت هذه المؤسسة، التي تعمل على مدار الساعة، الركيزة الأساسية في استراتيجية الولاية للحفاظ على نظافة المحيط وتعزيز ثقافة الاهتمام بالبيئة.
وعلى الرغم من المجهودات الكبيرة التي تبذلها المؤسسة، إلا أن تحقيق نظافة المدينة يبقى تحدياً مستمراً في ظل بعض السلوكيات السلبية كالرمي العشوائي للنفايات وعدم احترام مواعيد رميها. هذه التحديات تتطلب وضع خطة عمل شاملة تستهدف القضاء على النقاط السوداء في مختلف أحياء المدينة.
وفي هذا السياق، يقول رئيس فرقة التدخل السريع بمؤسسة تيارت نظافة: “نعمل وفق برنامج يومي يشمل جميع أحياء المدينة، ونتدخل بشكل فوري في حالات الطوارئ مثل انسداد قنوات الصرف الصحي أو تراكم النفايات في مناطق معينة.” ويضيف: “رغم الظروف الصعبة، خاصة في شهر رمضان، إلا أننا مستمرون في أداء واجبنا بنفس الحماس والتفاني.”
لقد أظهرت الإحصائيات الأخيرة أن كمية النفايات المنزلية ترتفع بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان، مما يزيد من أعباء عمال النظافة. ووفقاً لمدير مؤسسة تيارت نظافة، السيد ستايتي لزرق: “كمية النفايات تتضاعف خلال الشهر الفضيل نظراً لتغير نمط الاستهلاك، وهو ما يتطلب منا جهوداً إضافية وتكثيف دوريات جمع النفايات.”
ومن المؤسف أن يتزامن هذا الارتفاع في حجم النفايات مع حالة الصيام والإرهاق التي يعيشها مهندسو النظافة، الذين يواصلون عملهم رغم كل التحديات، متحملين رائحة النفايات والظروف المناخية المتقلبة. ورغم ذلك، فإن هؤلاء العمال يؤدون مهامهم بكل إخلاص وتفانٍ، مستمدين قوتهم من إيمانهم بأهمية دورهم في المجتمع.
وفي إطار تقدير هذه الجهود الاستثنائية، بادر والي ولاية تيارت، السيد سعيد خليل، بتنظيم مأدبة إفطار جماعي لعمال النظافة في العاشر من مارس الجاري. وخلال هذا اللقاء، أشاد الوالي بالدور الحيوي الذي يلعبه هؤلاء العمال في الحفاظ على بيئة المدينة، معتبراً إياهم “أبطالاً حقيقيين يعملون في الظل.”
من جانبهم، عبّر مهندسو النظافة عن امتنانهم لهذه المبادرة التي تعكس اهتمام السلطات المحلية بظروفهم وتقديراً لجهودهم. وقال أحد العمال: “هذه اللفتة الكريمة من السيد الوالي تمنحنا دفعة معنوية كبيرة وتشجعنا على مواصلة عملنا بنفس الحماس والتفاني.”
وفي سياق متصل، تشهد مدينة تيارت منذ فترة مبادرة “السبت البيئي” التي أطلقتها الولاية بتعليمات من الوالي. وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز ثقافة العمل التطوعي والمسؤولية الجماعية في مجال النظافة. وقد شارك في هذه الحملة، التي شملت تنظيف عدة أحياء، مختلف الفاعلين في المجتمع، من جمعيات وهيئات حكومية ومواطنين متطوعين.
وتعكس هذه المبادرة تناغماً مع تعاليم الإسلام الذي يحث على النظافة ويعتبرها جزءاً من الإيمان. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “النظافة من الإيمان”. وفي شهر رمضان، تتضاعف أهمية هذه القيمة، إذ يعتبر هذا الشهر فرصة للتطهر الروحي والمادي معاً.
وفي هذا الإطار، يقول الإمام خالد بن عمر، أحد أئمة مساجد تيارت: “رمضان شهر التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، والمساهمة في نظافة البيئة من أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم خلال هذا الشهر الفضيل.” ويضيف: “حفظ البيئة ونظافتها واجب ديني وأخلاقي، وهو من مقاصد الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى حفظ النفس.”
وفي ظل هذه القيم الروحية والأخلاقية، يبرز دور المواطن في تسهيل مهمة عمال النظافة، خاصة خلال شهر رمضان. فقد أطلقت مؤسسة تيارت نظافة حملة توعوية تحت شعار “في رمضان… لنكن عوناً لعمال النظافة”، تهدف إلى تحسيس المواطنين بضرورة احترام مواقيت رمي النفايات وتجنب التخلص العشوائي منها.
وتؤكد الحملة على أهمية التعاون بين المواطنين ومهندسي النظافة، مشيرة إلى أن هذا التعاون يعتبر صدقة جارية في شهر الرحمة والمغفرة. وقد لاقت هذه الحملة استجابة إيجابية من العديد من سكان المدينة، الذين أبدوا استعدادهم للمساهمة في الحفاظ على نظافة أحيائهم.
وفي واقع الأمر، فإن دور مهندسي النظافة لا يقتصر على جمع النفايات وتنظيف الشوارع فحسب، بل يمتد ليشمل تأهيل المساحات الخضراء وصيانة الإنارة العمومية. وهي مهام تتطلب جهداً كبيراً ومتواصلاً، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المدينة.
ورغم هذه التحديات، يبقى مهندسو النظافة ملتزمين بمهمتهم النبيلة، محفزين بإيمانهم بأهمية دورهم في المجتمع ومستمدين قوتهم من تقدير المواطنين والسلطات المحلية لجهودهم. وفي هذا السياق، يقول أحد عمال النظافة: “نحن نعمل من أجل مدينة نظيفة وجميلة، نستحقها جميعاً، وسنواصل عملنا بكل تفانٍ وإخلاص رغم كل التحديات.”
وبالرغم من التحديات التي تواجهها مدينة تيارت المتعلقة بنظافة المحيط، إلا أن الجهود المبذولة من قبل مؤسسة تيارت نظافة وعمالها قد أسفرت عن نتائج ملموسة على أرض الواقع. فقد شهدت المدينة تحسناً كبيراً في مستوى النظافة، وتراجعاً ملحوظاً في عدد النقاط السوداء، وزيادة في الوعي البيئي لدى المواطنين.
وتبقى قضية النظافة مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين في المجتمع. فمهندسو النظافة، هؤلاء جنود الخفاء، يحتاجون إلى دعم ومساندة الجميع لمواصلة رسالتهم النبيلة. وكما يقول المثل: “النظافة ليست مهنة، بل هي رسالة إنسانية وحضارية.”
إن رمضان، شهر الرحمة والتضامن، يمثل فرصة مثالية لتعزيز قيم التعاون والتكافل بين جميع أفراد المجتمع، بما في ذلك التعاون مع مهندسي النظافة وتقدير جهودهم. ولعل أفضل تقدير لهؤلاء العمال هو احترام مواقيت رمي النفايات ووضعها في الأماكن المخصصة لها، والمساهمة في الحفاظ على نظافة المدينة التي تعتبر واجباً دينياً وأخلاقياً على كل مواطن.
فلنجعل شعارنا في هذا الشهر الفضيل: “نظافة المدينة مسؤوليتنا جميعاً”، ولنكن جميعاً جنوداً في خدمة البيئة والمجتمع، فالنظافة سلوك حضاري يعكس وعي المجتمع بأهمية العيش في محيط نظيف وآمن.
وهيب قورصو
إرسال التعليق