حوار مع الصحفي الطاهر بلعيدوني
جريدة الأمة العربية: قبل أن نبدأ، نشكرك على تلبيتكم دعوتنا وتشرفنا بهذا الحوار في جريدتنا “جريدة الأمة العربية”. بداية، السيد الطاهر بلعيدوني، نود أن نسألك عن البدايات، كيف دخلت مجال الصحافة والإعلام؟
الطاهر بلعيدوني: الصحافة كانت اختيارًا منذ الصغر. أنا ابن عائلة متواضعة، وكانت لدي مواهب كالتمثيل والطلاقة في الحديث، كما كانت لدي الجرأة. كنت اجتماعيًا بطبعي وأحب التعرف على الناس وتجاذب أطراف الحديث معهم. في تلك الحقبة، كانت نظرتنا للعالم مختلفة نظرًا لقلة وسائل التواصل. كان هناك تلفاز واحد فقط ولم يكن متاحًا للجميع. لاحقًا، التحقت بعلوم الإعلام والاتصال في العاصمة عن طريق مسابقة وطنية، حيث حصلت على المرتبة الثالثة من بين 100 مشارك. في ذلك الوقت، كانت الجزائر تشهد انفتاحًا ثقافيًا وفكريًا غير مسبوق، وأنا كنت شابًا في العشرين من عمري من عائلة محافظة، وكان صعبًا عليّ تقبل هذا الانفتاح والتنوع الفكري. لكن، استطعت الاندماج تدريجيًا في هذا المجتمع المتغير مع التمسك بفكرة الحرية الشخصية. لم أتخل عن أصالتي وتراثي؛ فقد كنت أرتدي” الجلابة والعمامة” التقليدية، وهذا ما ميزني بين زملائي وأساتذتي وجعلني أكثر فخرًا بجذوري في مدينة مشرع الصفا بولاية تيارت.
جريدة الأمة العربية: ما هي التحديات التي واجهتك في حياتك المهنية؟
الطاهر بلعيدوني: لم يكن من السهل على حديث التخرج أن يجد فرصة عمل في البداية، خاصة في مجال الإعلام والصحافة، الذي كان تخصصًا مميزًا يقتصر على نخبة من المجتمع. استغرق الأمر عامًا كاملًا من البحث عن عمل حتى تقدمت لمحطة وهران للتلفزيون وخضعت لتجربة الأداء. في ذلك الوقت، كان دخول مجال الإعلام أمرًا صعبًا جدًا، وكانت هناك معايير صارمة لقبول المتقدمين. أتذكر موقفًا طريفًا حين خضعت لتجربة الأداء، حيث ظهرت صورتي مقلوبة على الشاشة، فاستغربت لكنني لم أرتبك، وعلمت لاحقًا أنها كانت مجرد اختبار لقياس مدى ثباتي أمام شخصيات إعلامية مرموقة مثل الصحفي ورئيس التحرير آنذاك، السيدة علي العوفي، رحمه الله، الذي كان قامة إعلامية كبيرة في الجزائر، واستفدنا منه كثيرًا بتوجيهاته القيمة.
جريدة الأمة العربية: كيف ترى تطور الإعلام بالموازاة مع تطور المجتمع حاليًا؟
الطاهر بلعيدوني: دائمًا ما أطرح سؤالًا وهو: أين نحن مما يحدث حولنا؟ لا شك أن هناك علاقة طردية بين تطور الإعلام وتطور المجتمع. حاليًا، التطور التكنولوجي وتعدد وسائل التواصل لهما أثر كبير على الإعلام من خلال سرعة تداول المعلومات وانتشار الإشاعات. الإعلام يلعب دورًا هامًا في توجيه سلوك المجتمع وتغييره. رغم التحديات التي يواجهها الصحفي اليوم، إلا أن الصحافة تبقى مهنة مميزة. فحتى مع طغيان وسائل التواصل الاجتماعي وظهور ما يسمى بصناع المحتوى والمؤثرين، يبقى الصحفي هو من يملك الأدوات اللازمة لتقديم عمل مهني صادق، موضوعي، ونزيه. رغم ازدحام الساحة الإعلامية، تظل الصحافة المكتوبة لها قراؤها، والتلفزيون له مشاهديه، والإذاعة لها مستمعوها.
جريدة الأمة العربية: هل كانت مهنة الصحافة في مرحلة ما مسألة حياة أو موت بالنسبة لك؟
الطاهر بلعيدوني: نعم، للأسف. في مرحلة معينة كانت الظروف صعبة جدًا، وكان الصحفي مستهدفًا لأنه كان يصنع الرأي العام. كانت فترة مظلمة فقدنا فيها الكثير من الصحفيين والإعلاميين الشرفاء الذين دافعوا بأقلامهم وأرواحهم من أجل كلمة الحق. المسألة كانت فعلاً مسألة حياة أو موت. الحمد لله، اليوم نعيش في جزائر مستقرة، ننعم بالأمن والاستقرار، وقد تضمدت جراح الجزائريين، وهذا يعطينا أملًا بمستقبل مشرق.
جريدة الأمة العربية: هل ترى أن تعدد وسائل الإعلام اليوم نعمة أم نقمة على المجتمع؟
الطاهر بلعيدوني: لا شك أن التعددية في أي مجال تعد نعمة، فهي تتيح فرصًا أكبر للتعبير وحريات أوسع للصحافة. في الماضي، كانت هناك وسيلة إعلامية واحدة فقط، سواء التلفزيون أو الإذاعة، وكانت تلعب دورًا كبيرًا في التوجيه والإرشاد والتثقيف. لكن اليوم، التعددية تتيح فرصًا أكثر، وأتمنى أن تكون مضبوطة بما يحمي الذوق العام للمجتمع.
جريدة الأمة العربية: تواجه الجزائر اليوم تحديات إقليمية ودولية بسبب تمسكها بمبادئها في دعم القضية الفلسطينية وقضايا التحرر. كيف ترى دور الإعلام في ذلك؟
الطاهر بلعيدوني: هذا الموضوع يحتاج إلى تحليل معمق من مختصين في المجال السياسي. لكن كصحفي وكواطن، أؤمن بأن الجزائر قادرة على مواجهة هذه التحديات، ونحن كلنا ثقة في الدولة الجزائرية. أنا متفائل جدًا بمستقبل أبنائنا.
جريدة الأمة العربية: ما هي النصائح التي تقدمها للصحفيين الشباب الذين انضموا حديثًا إلى عالم الصحافة والإعلام؟
الطاهر بلعيدوني: أنصح الجميع بضرورة التكوين والتسلح بالعلم والمثابرة. التدرج بخطوات ثابتة لاكتساب المهارات والأدوات الأساسية في الصحافة أمر لا غنى عنه لتطوير الذات والارتقاء في مجال الإعلام.
جريدة الأمة العربية: في الختام، نشكرك السيد الطاهر بلعيدوني على تلبيتك الدعوة وحضورك معنا في هذا الحوار الشيق. سعدنا جدًا بلقائك.
الطاهر بلعيدوني: لقد كنت سعيدًا جدًا بهذا اللقاء. أشكركم جزيل الشكر على الدعوة، وأنا سعيد بأنني بين أهلي وعائلتي في تيارت.
حاوره وهيب قورصو
إرسال التعليق