صالح قوجيل مسيرة حافلة بالعطاء ورمز للخبرة والحنكة السياسية
يسجل التاريخ المعاصر للجزائر باحرف من نور مسيرة رجال صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه فكانوا منارات تضيء دروب الاجيال المتعاقبة ومن بين هؤلاء الافذاذ يبرز اسم المجاهد ورجل الدولة صالح قوجيل الذي كرس حياته لخدمة بلاده منذ ريعان شبابه مقدما نموذجا فريدا في التفاني والاخلاص والالتزام بقضايا الامة ومصالحها العليا.
ولد صالح قوجيل في الرابع عشر من شهر جانفي عام الف وتسعمئة وواحد وثلاثين بولاية باتنة مهد الثورة المجيدة وفي بيئة مشبعة بالروح الوطنية المتأججة ضد الاستعمار البغيض تشرب قيم النضال والكفاح منذ نعومة اظفاره ولم يتردد لحظة واحدة في تلبية نداء الواجب المقدس حين اندلعت ثورة التحرير المباركة فالتحق بصفوف جيش التحرير الوطني عام الف وتسعمئة وخمسة وخمسين وهو في ريعان الشباب مفعم بالحماس والتوق الى الحرية والاستقلال.
داخل صفوف جيش التحرير الوطني بالولاية الاولى التاريخية برزت قدرات الشاب صالح قوجيل التنظيمية والقيادية سريعا حيث اظهر شجاعة نادرة وانضباطا عاليا وتفانيا في اداء المهام الموكلة اليه مما جعله محل ثقة قيادته فتدرج في المسؤوليات ليصبح عضوا فعالا ومساعدا لقائد الناحية ويرتقي الى رتبة نقيب مساهما بفعالية في الكفاح المسلح ضد المحتل الغاشم حتى بزغ فجر الاستقلال عام الف وتسعمئة واثنين وستين.
لم تتوقف مسيرة عطاء صالح قوجيل عند حدود الكفاح المسلح بل تواصلت بنفس الروح النضالية في معركة البناء والتشييد بعد استرجاع السيادة الوطنية فانخرط في العمل السياسي مبكرا ضمن صفوف حزب جبهة التحرير الوطني التنظيم السياسي الذي قاد الثورة وورث شرعيتها التاريخية فكان عضوا في لجنته المركزية منذ جوان الف وتسعمئة واثنين وستين وواصل تقلد المسؤوليات داخل الحزب حيث عين منسقا عاما عام الف وتسعمئة واربعة وستين ثم محافظا للحزب في ولايتي عنابة وسطيف بين عامي الف وتسعمئة وسبعة وستين والف وتسعمئة وثمانية وسبعين وهي التجارب التي صقلت خبرته السياسية وعمقت فهمه لادارة الشان العام واكسبته قدرة فائقة على التعامل مع مختلف التحديات وتغليب المصلحة الوطنية العليا.
بفضل خبرته المتراكمة وكفاءته المشهود لها اعيد انتخابه عضوا في اللجنة المركزية للحزب عام الف وتسعمئة وثمانية وسبعين ليتم اختياره بعدها بعام واحد لتولي حقيبة وزارية هامة حيث عين وزيرا للنقل والصيد البحري في عام الف وتسعمئة وتسعة وسبعين وهو المنصب الذي شغله بكفاءة واقتدار حتى عام الف وتسعمئة وستة وثمانين وخلال هذه الفترة واصل الجمع بين المسؤولية الحكومية والنضال الحزبي مكرسا صورة رجل الدولة المتمرس الذي يترك بصمته الايجابية في كل موقع يشغله مقدما اداء متميزا في قطاعين حيويين للاقتصاد الوطني.
بعد تجربة حكومية ثرية عاد صالح قوجيل الى العمل البرلماني حيث انتخب نائبا بالمجلس الشعبي الوطني ممثلا لولاية سطيف خلال العهدة التشريعية الممتدة من الفين وسبعة الى الفين واثني عشر مدافعا عن انشغالات المواطنين ومساهما في اثراء العمل التشريعي بخبرته الواسعة ورؤيته الثاقبة ونظرا لمكانته الوطنية وتاريخه النضالي الحافل تم تعيينه في جانفي من عام الفين وثلاثة عشر عضوا في مجلس الامة ضمن الثلث الرئاسي وهو التعيين الذي تم تجديده في جانفي الفين وتسعة عشر لعهدة جديدة تقديرا لمساره وخبرته.
داخل الغرفة العليا للبرلمان تواصل صعود نجم صالح قوجيل حيث تم اختياره في التاسع والعشرين من جانفي الفين وتسعة عشر نائبا لرئيس مجلس الامة قبل ان تضعه الاقدار والتحديات الوطنية في موقع المسؤولية الاعلى حين تولى رئاسة المجلس بالنيابة في التاسع من افريل من نفس العام في ظرف دقيق وحساس كانت تمر به الجزائر استدعى وجود شخصية وطنية جامعة بحجم ومكانة وخبرة المجاهد صالح قوجيل لقيادة احدى اهم مؤسسات الدولة الدستورية والمساهمة في الحفاظ على استقرار البلاد وتوازن مؤسساتها.
توجت هذه المسيرة البرلمانية الحافلة بانتخابه بالاجماع رئيسا لمجلس الامة في الرابع والعشرين من فيفري عام الفين وواحد وعشرين وهو الاجماع الذي عكس الثقة الكبيرة والاحترام العميق الذي يحظى به الرجل لدى كافة اعضاء المجلس بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية ليقود الغرفة العليا للبرلمان خلال عهدة كاملة تميزت بالحكمة والرزانة والقدرة الفائقة على ادارة النقاشات واحتواء مختلف الاراء وتغليب منطق الحوار والتوافق خدمة للمصلحة العليا للوطن وقد برزت خلال هذه الفترة سماته القيادية الفريدة واسلوبه الهادئ والرصين في تسيير شؤون المجلس مقترنا بشجاعة المواقف وجرأة الخطاب عند الضرورة مما اعاد الى الاذهان صورة رجال الدولة الكبار الذين طبعوا تاريخ الجزائر الحديث.
ان مسيرة صالح قوجيل تمثل بحق نموذجا للسياسي المتكامل الذي جمع بين النضال الثوري والعمل المؤسساتي والخبرة الحكومية والبرلمانية فهو لم يكتف بالتنظير بل انطلق من الميدان واحتك بالجماهير ومارس المسؤولية على مختلف المستويات مما اكسبه فهما عميقا لواقع البلاد وتحدياتها وظل رغم تقدمه في السن حاضرا بقوة في المشهد السياسي مؤثرا في مساراته ومستشارا امينا تستأنس الدولة والمجتمع بارائه السديدة في معالجة القضايا الوطنية الكبرى فهو بحق رجل دولة من طراز رفيع وشاهد امين على تاريخ الجزائر المجيد.
وهيب قورصو
إرسال التعليق