قراءة في الفكر العسكري عند الرئيس هواري بومدين و مواقفه السياسية
(في 1975 أسّس هواري بومدين اتحاد الشبيبة الجزائرية لتكون شبه مؤسسة عسكرية )
ها هي ذكري رحيل الرئيس هواري بومدين الـ: 46 تعود ، الحديث هنا عن شخصية كاريزماتية ، جعلت صورته ترتبط بالزعامة، شخصية تعرف كيف و متى توجه و كيف تقود و كيف تؤثر في الآخر، شخصية أثببت كاريزمايتها يوم جلس على كرسي منبر الأمم المتحدة و ألقى خطابه الشهير كزعيم، كانت الصرامة و الجدية تبدو على ملامح وجهه، إن الحديث عن هوار ي بومدين يعني الحديث عن اتحد الشبيبة الجزائرية UNJA الذي كان شبه مؤسسة عسكرية لكنه اليوم بعد رحيا مؤسسه الريس هواري بومدين اصبح في مفترق الطرق ، و الحديث عن هواري بومدين يعني الحديث عن الثورات الثلاث ( الزراعية ، الصناعية و الثقافية) هو الحديث عن العروبة و الهوية الوطنية و الحديث عن هواري بومدين يعني الحديث عن القضية الفلسطينية و هو صاحب المقولة : نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، يمضي الرجال و يبقي الأثر
يتمثل تصور الرئيس هواري بومدين لدور الجيش في مهمة الدفاع عن الوطن و حمايته، و هذا بحكم تجربته العسكرية يوم كان وزيرا للدفاع، و ترأسه مجلس الثورة و إشرافه على الحزب، تجلى ذلك في خطاباته التي كان يلقيها أمام الضباط و القوات المسلحة، حيث كان في كل خطاب يشيد بدور عناصر الجيش واصفا إياهم بـ: “درع الثورة”، لأنه استمد قوته من الشعب، و أن جل عناصره من أبناء الفلاحين و العمال الذين حافظوا على علاقتهم بالشعب، و يؤكد أنه “لا يمكن إنجاز ثورة حقيقية بدون جيش جماهيري المنبع، ثوري المفاهيم، منحاز إلى قوى الشعب الكادحة، لأنه لا يتجزأ من الشعب، ففي خطاب ألقاه على ضباط الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال في 10 جويلية 1965 ، بعد تسلمه الحكم ، قال أن الجيش يساهم أيضا في معركة البناء و هو في خدمة الشعب و يحافظ على مكتسبات الشعب و يحمي الثورة من أعدائها في الداخل و الخارج، و لذا يتعين على إطارات الجيش أن يتمتعوا بنفس الوعي و التوجه.
لم تكن نظرة بومدين للجيش ضيقة و إنما كانت نظرته نظرة استشرافية مستقبلية، حيث ظل خطابه تردده الأجيال جيلا بعد جيل، و هو الذي قال في إحدى خطاباته أنه “يتعين على الجيش أن يؤمن بعقيدة و إيديولوجيا الشعب كأساس لبناء البلاد”، فقد عمد هواري بومدين إلى تكوين جيش شعبي و ثوري من خلال تركيبته الإجتماعية و الثورية، و إيديولوجيته السياسية، و قال: “لا يمكن أن تنجح ثورة بدون وجود جيش أصله شعبي و إيديولوجيته ثورية”، لم يتوقف دور الجيش حسبه على المجال الدفاعي و التنموي، بل في حل الصراعات السياسية بين مختلف فئات المجتمع و الارتفاع على الخلافات الحزبية ، بهذه النظرة و التصور كان بومدين رجل صرامة، رجل يمتلك قوة الفكر و التعقل و التدبير في مرحلة سيطرت عليها النزعة الجهوية و العروشية، لأنه كان يرى أن المهمة تسبقها تفكير و تنظيم قبل الإقدام على الفعل من أجل تنظيم الصف و توحيده، إلا أن نظرة بومدين لم تنج من انتقادات القادة الآخرين، و هنا وقع بومدين في خلافات معهم و من بينهم العقيد شعباني عندما طالب هذا الأخير تطهير الجيش من الذين وصفهم بالدخلاء و خلافه مع بن بلة عندما عين الطاهر زبيري قائدا لهيئة الأركان العامة للجيش، و اعتبر بومدين هذا القرار تجاوزا للخطوط الحمراء.
جيش التحرير الوطني كان محطة مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية
فالمؤسسة العسكرية تلعب دورا هاما في حماية وحدة التراب الوطني و حدوده ، و للجزائر تجربة لا يستهان بها في مواجهة الجيش الفرنسي الاستعماري ، حيث كانت المؤسسة العسكرية ممثلة في جيش التحرير الوطني محطة مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية عندما اجتمع العقداء العشر في الفترة الممتدة بين 1959 و 1960 فيها انتقلت الحكومة المؤقتة إلى العقداء، و خلالها أنشأت هيئة الأركان العامة EMG التي أسندت رئاستها إلى العقيد هواري بومدين، في وقت لم يكن بالسهل على جيش ( جيش الحدود) أن يتحرك و ينتقل أمام ثورة ثقيلة تميزت بمواجهة خَطَّيْ موريس و شال على الحدود الشرقية و الغربية، و فرض النظام و الانضباط داخل عناصره، و بناء قوات مدربة و ذات تسليح متطور، لقد غير نظام و انضباط الجيش مسار الأحداث و التاريخ عندما تجاوز الصراعات مع الحكومة المؤقتة فيما عرف بأحداث صيف 1962، حيث ارتقى جيش الحدود إلى مصاف جيش الدولة الجزائرية و إضفاء عليه طابع الشرعية الثورية، خاصة مع استدراج جهاز الاتصالات و الاستخبارات الذي كان تابعا لوزارة الاتصالات و الاستخبارات الذي أسسه عبد الحفيظ بوالصوف.
كان الرئيس هواري بومدين يتمتع بحاسة أمنية عسكرية خاصة، دفعته إلى تأسيس دائرة خاصة داخل الجيش يكفل له جمع المعلومات و المراقبة في كل الاتجاهات سواء داخل الدولة بجميع مؤسساتها، أو داخل الجيش، كان هذا بالتحالف مع أحمد بن بلة ، و مع صعود بومدين إلى سدة الحكم توسع دور المؤسسة العسكرية نظرا للأخطار التي كانت تهدد الجزائر في مرحلة اتسمت بالتجاذب بين سلطة الرئيس بن بلة و وزير الدفاع هواري بومدين، إلا أن النصر كان في كفة بومدين و هذا بفضل رؤيته المستقبلية للمؤسسة العسكرية، و رؤيته الواعية للقضايا ، فقد كان يقول أن الجزائري الحُرّ و بخاصة جيش التحرير الوطني تربىَّ على معاداة الافتعال و الزّيف و عرض النفس أو التباهي بها، و قال أن جُلّ من خاضوا حرب التحرير الجزائرية لم يخوضوها بأسمائهم الحقيقية، حتى لا ينتفخ المناضل أو المجاهد بالغرور عندما ترتبط التضحيات و الأعمال باسمه أو شخصه، فيقع أسيرا مقيدا في سجن الشهرة و حُبِّ الذات، لا يجيد شيئا سوى الابتسام المفتعل للمعجبين و المعجبات، و معروف عن الرئيس بومدين أنه ليس عزوفا عن الكلام، بل يتدفق بالحديث إذا أثارته قضية أو اشتبك في نقاش، و يرى بومدين أن الصراحة هي الأسلوب الوحيد الإنساني الذي يمكن أن يقود إلى الحقيقة من جميع زواياها، فكيف يمكن أن يصل الناس إلى الحقيقة و التفاهم الواضح عليها، إذا أخفى كل واحد منهم أو بعض منهم أشياء خلف ظهره و هم شركاء في الموقف أو المسؤولية أو المصير، كما يرى أن “الذين لا يريدون رؤية الحقيقة هم دائما يخطئون الحساب في فهم أحداث التاريخ كما هي.
مواقف هواري بومدين في قضايا الأمّة
يفرق الرئيس هواري بومدين بين الثوري و السياسي، إذ يقول: ” إن الثوري لا يستطيع و لا يقدر أن يرضي كل الناس و كل الاتجاهات، لماذا؟ ، لأنه بطبيعته يختار و ينحاز، يختار جانب الشعب، جانب الثورة، أما السياسي المحترف فهو ذلك الذي لا يختار، و إنما يتعايش مع كل الأضداد، مع كل الاتجاهات، يسير مع كل تيار، يناور، فمرة يتحدث عن الإشتراكية مثلا عندما يقابل اشتراكي، و مرة أخرى يتحدث عن الرأسمالية كلما قابل رأسماليا، و يقول أن الإنسان لا يُعْرَفُ فقط من حديثه، لكن و بصفة أساسية من تصرفاته، و الثورية في مفهوم الرئيس هواري بومدين ليست في أن تبيع كلاما للثوار، و تجعلهم يعتمدون عليه في حركاتهم التحررية و أنت تعلم عن يقين أنك لن تنفذه، و لن تستطيع تنفيذه، فتكون النتيجة وبالا عليهم، أما أنت فتعلق لك أكاليل المجد الشخصي بينما الثوار يموتون و يُقْتَلون.
والعمل الثوري في نظره ليس هو في أن لا تُرَبِّي كادرًا و قيادات مسؤولة و أن لا تبني جهاز دولة ثوري و قادر و جهاز حزب ثوري و قادر حتى تظل وحدك فرديا في السلطة، فلا تنتج غير الديماغوجية، إننا لا نطلب شيئا إلا أن يرى الناس الحقائق كما هي.. ، يراها الجميع في الجزائر، في المدينة و القرية الجزائرية ، لا على الورق و صفحات بعض الكتب التي كان يؤجر عليها الكتاب للأسف من أموال الشعب الجزائري، و من مواقفه أيضا أنه من حق كل إنسان أن يعتقد الرأي الذي يشاء، و لكن إذا ما تحولت هذه المخالفة في الرأي إلى عمل هدام و إلى تخريب فعلي، و إلى حركة سرية، فمقاومتها حتمية و بكل شدة و حسم، إن طريق الثورة مفتوح أمام الجميع دون تفريق، و الصراع في الرأي ضروري و مطلوب لأنه ضمان للديمقراطية و داخل الإطار الشرعي، و فيما يتعلق بـ: “العروبة” كان للرئيس الراحل هواري بومدين موقف مُشَرِّفٌ أيضا ، حيث ذكر معطيتان أساسيتان، الأولى أكد فيها أن الجزائر عربية لأن هذا هو الواقع و التاريخ و مكونات الشعب و حضارته و المصير و المصالح المشتركة، إذ يقول: لسنا عُرْبًا بعد الثورة فحسب و لكن نحن عُرْبٌ قبل الثورة، نحن عربٌ نستمد جذورنا من الحضارة العربية و الإسلامية طوال ما يزيد عن 14 قرنا، و المعطية الثانية اعتبرها جوهرية عندما قال أن الجزائر أفريقية كيانا و شعبا و جغرافية و مصيرا.
و كما لا يمكن فصل الجزائر عن عروبتها، لا يمكن أيضا فصل الجزائر العربية عن افريقيتها، و هكذا فنحن جزء من كل عربي، و نحن جزء من كل افريقيا، و كان بومدين في كل مرة يركز على القضية الفلسطينية و الجنوب العربي، و اعتبرها قضايا مصيرية بالنسبة للجزائريين و ليست بأيّ حال قضايا خارجية، و لم يستثن قضايا تحرير المستعمرات الإفريقية و قال أنها قضايا مصيرية و ليست قضايا خارجية، تجدر افشارة أن هذه المواقف جمعت في كتاب يحمل عنوان: “عن الثورة في الثورة و بالثورة” للكاتب المصري لطفي الخولي و هو صحفي و محامي و محلل سياسي، تناول فيه العديد من القضايا التي تتعلق بالجزائر في الداخل و الخارج و حواره مع الرئيس بومدين قبل وفاته، و وقف على الكثير من الحقائق التي يجهلها الكثير من الناس، و ما تزال حركة الثورة بصراعاتها تواكب حركة التاريخ التي لا تستكين إلى الجمود.
ورقة من إعداد علجية عيش
إرسال التعليق