المسابقة الرسمية للفيلم الروائي القصير 5 أفلام وتيمة مشتركة
شهدت سينماتيك وهران، أول أمس الأحد، عرض الأفلام الروائية الخمسة المقررة ضمن المسابقة الرسمية للفيلم الروائي القصير.
حكيم محمدي
تميزت هذه الأفلام بتيمة ورابط بينها هي صراع الفرد مع المجتمع، فالعنف المجتمعي المتجذر كان قضية الفيلم اللبناني “موسم” لحسين ابراهيم الذي تناول صيد الحيوانات باعتباره سلوكا طبيعيا مارسه الإنسان منذ وجوده على الأرض، وهذا التصور تجسد في الأب المرتبط بهذه المهنة التي يتقنها ويقدسها، ويحاول توريثها لابنه مرهف الإحساس الذي يرفض هذه الوحشية مع الحيوان ويعتبر العلاقة مع الحيوان علاقة سامية لا عنف فيها، لكن الأب لا يهتم لهذا فتتجلى أزمة الولد..
انتقال العنف من العائلة ومن المحيط الأقرب إلى الفرد مشكلة عويصة يواجهها الإنسان المعاصر، وبالخصوص الإنسان العربي الذي شهدت بلدانه عنفا مستمرا، منذ قرون، فرؤيتنا للصيد كسلوك طبيعي هي انتصار للعنف في لا وعينا، وهذه الرؤية مستمدة من النظرة الفرويدية التي تعتبر الإنسان هو مرحلة الطفولة، وتربط تكوينه بما يتعرض له شعوريا ولا شعوريا، وهذا التجسيد عبر عنه الفيلم من خلال خلاص الطفل من أزمته بتحرير العصفور.
الفيلم الثاني من سلطنة عمان “ديانة الماء” لهيثم سليمان، يطرح تساؤلا روحيا: لماذا لا ندفن في الماء؟ يقول عيسى الكفيف لحفار القبور: أنا ذاهب للبحث عن أبي في البحر !
البحث عن الأجوبة في البحر بحث عن الهوية والكينونة والإجابات الضائعة، وفي تاريخ العرب لم يكن البحر مصدر إجابة، بل مصدر قلق وخطر. كان الفيلم جريئا في استعمال البحر للبحث عن الإجابة، وقد تقاطع في هذه التيمة مع بطل رواية حكاية بحار لحنة مينة حيث يبحث سعيد حزوم عن والده صالح، ومن خلال ذلك البحث عن الإجابة الضائعة..
القبر في الثقافة الشرقية مصدر للأسطورة، وتناوله الفيلم من خلال حفار القبور الذي يبدو قريبا من الدروشة ومرتبط بعالم روحي غريب، وحتى القبر كان بتلك الرهبة الموحشة من خلال التصوير ولم يكن مكانا عاديا يدفن فيه الإنسان لما تنتهي حياته
اللون الأصفر الباهت سيطر على الفيلم ولم يحاول المخرج الخروج عن المعتاد في السينما العمانية، حيث استعمل الألوان الباهتة لنقل البيئة الريفية.
تناول فيلم “نحن في حاجة إلى المساعدات الكونية” للمصري أحمد عماد العلاقات الإنسانية المعقدة، من خلال علاقة زوجين ينقطع التواصل بينهما، وهما على سرير واحد، لكن الحل الكوني يأتي من حشرة الناموس الصغيرة بصوتها المزعج ولسعاتها الأليمة، هذا الحل الكوني سيوحد الزوجين اللذين قررا دون اتفاق اصطيادها، وبعد محاولات يجدان نفسيهما متقاربين، وبصورة آلية يختفي خصامها..
العلاقات الإنسانية في مجملها علاقات معقدة جدا، والإنسان عاجز في كثير من الحالات عن مواجهة ما يتعرض له فيها سواء استعمل المنطق أو إنزاح إلى العاطفة. الفيلم، في ظرف قصير، غاص في هذا العمق بطريقة كوميدية ودون حاجة للكلام، مستعينا بالتعبيرات السيميائية.
أما “وينك أنت” للأردني محمد كوطه فتناول مرض الزهايمر، من خلال الشاب وجارته السيدة سميرة، عندما افترضت أن الحب هو ما يجعله يحاول الهجرة، غير أن السبب كان أكبر من الحب، وإنما البحث عن الحياة,
لم يكن هذا التفصيل موضوع الفيلم، بل نقطة لا يمكن تجاهلها، فعلاقة الجار الخجول الانطوائي مع الست المصابة بالزهايمر أمدت الفيلم سحرا إنسانيا مميزا تماهت معه الكادرات الكلاسيكية التي اختارها المخرج الذي اختار الكاميرا الثابتة التي تعطي أبعادا شعورية حميمية للأجواء..
معاناة سميرة من الزهايمر لم تكن عائقا للجار الذي استطاع أن يربط معها علاقة مميزة، ويغوص في حياتها، فيعيدها إلى ذكريات، من خلال إصلاح جهاز الموسيقى الخاص بها، في هذه اللحظة عادت الست إلى ذاكرتها القديمة كأنها لا تعاني الزهايمر.
يميل الفيلم إلى سينما شرق أوروبا الهادئة، كما يحمل رؤى إنسانية تمثل معاناة وهواجس إنسان ما بعد الحداثة الذي فقد التواصل الداخلي والروحي مع نفسه متأثرا بالثقافة الليبرالية التي شيأته وجعلته كائنا استهلاكيا مجردا
“الوحدة أفضل” للعراقي ريكار برزان يتناول، في 15دقيقة، يوميات شخص منعزل في منطقة جبلية، مع طيف زوجته وقبرها المحاذي للمنزل، فيستمتع في وحدته القاتلة ببرامج الإذاعة التي تبث بالكردية علاقته الوحيدة بالعالم الخارجي.
يحاول الهروب من حياته، فيقرر مغادرة القرية تاركا وراءه صورة زوجته في إشارة إلى طي صفحة الماضي
إرسال التعليق