صرامة الجزائر تواجه عنجهية فرنسا…
يبدو أن فرنسا لم تفهم بعد سياسة الدولة الجزائرية ورسائلها المتضمنة عدم الخضوع
إذ تواصل باريس تطاولها المتكرر وغير المبرر على الجزائر، وكانت الأخيرة أمس الأحد بوضع عون القنصلية الجزائرية بباريس رهن الحبس المؤقت، والذي يُعتبر انتهاكًا للأعراف الدبلوماسية.
خطوة غريبة من فرنسا، خصوصًا بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، والتي عبّر خلالها عن إرادة بلاده طي صفحة التوترات الراهنة قصد إعادة بناء علاقات مع الجزائر تتميز بالهدوء.
وزارة الخارجية الجزائرية كانت قد أصدرت أمس بيانًا تضمّن:
“نطالب بالإفراج الفوري عن الموظف القنصلي الموقوف، وندعو كل الأحزاب والنخب السياسية والمجتمعية إلى التعبير بقوة عن رفض هذا السلوك المشين، وبذل مزيد من التلاحم ورص الصف الوطني لمواجهة كل التحديات والمخاطر التي تتعاظم يومًا بعد يوم”.
ردًا على الفعل الفرنسي، ومن منطلق المعاملة بالمثل الذي تعتمده الجزائر في علاقاتها مع الدول، أصدرت الجزائر أمرًا بطرد 12 موظفًا في السفارة الفرنسية، وإعطائهم مهلة 48 ساعة لمغادرة البلاد.
هذا التوتر لا يُعتبر الأول، لكنه الأغرب من نوعه، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي للبلاد الأسبوع الماضي، والتي جاءت بعد ثمانية أشهر من أزمة غير مسبوقة وصلت حد الهاوية بين الجزائر وفرنسا، وخلُصت إلى اتفاق مبدئي جاء على خلفية اتصال هاتفي بين عبد المجيد تبون، رئيس الجزائر، وإيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا. وخلُص البيان إلى عرض أهم ما تم التطرق إليه:
“اتفق الرئيسان على أن متانة الروابط، لاسيما الروابط الإنسانية التي تجمع الجزائر وفرنسا، والمصالح الاستراتيجية والأمنية للبلدين، وكذا التحديات والأزمات التي تواجه كل من أوروبا والحوض المتوسطي والإفريقي، كلها عوامل تتطلب العودة إلى حوار متكافئ بين البلدين باعتبارهما شريكين وفاعلين رئيسيين في أوروبا وإفريقيا، ملتزمين تمام الالتزام بالشرعية الدولية و بالمقاصد والمبادئ المنصوص عليهما في ميثاق الأمم المتحدة”.
خارطة عمل جديدة كُتبت على أساس احترام مصلحة كل بلد، بعد أزمة اندفاعية مفتعلة خلقها الجانب الفرنسي بضغط متعمد من يمينه المتطرف، انتهت بمحاولة الرئيس ماكرون إعادة فتح قنوات الحوار، بالموازاة مع الزلزال السياسي الذي ضرب فرنسا، والمتمثل في عدم الأهلية السياسية لمارين لوبان، وإبعادها عن الرواق السياسي.
نعرض فيما يلي أبرز الخلافات التقليدية بين البلدين، المرتبطة بالذاكرة والجرائم، اتفاقيات 1968، الاتفاقيات المرتبطة بالهجرة، اتفاقيات القنصلية التي تحدد الدخول لفرنسا، الاعتراف بدعم فرنسا للمغرب في قضية الصحراء الغربية، ملف تهجير الجزائريين من فرنسا، قضية بوعلام صنصال.
خلافات ذات أبعاد تاريخية، ثقافية، سياسية محضة، وقطيعة وصلت حد الخناق الاقتصادي لفرنسا، خاصة بتحكم الجزائر في الميزان التجاري بين البلدين بقيمة 3 مليارات يورو.
فرنسا اليوم تدق ناقوس الخطر، خاصة بعد الضغط الذي تتلقاه من شركاتها المقدّرة بستة آلاف شركة فرنسية تتعامل مع الجزائر، وإجبارها على إيجاد مخرج يخلّصها من أزمتها والركود الذي عرفته في معاملاتها، بعد أن كانت قد حظيت مسبقًا بزيادة في معدل المبادلات التجارية وصل إلى 5% عام 2023.
الجزائر، ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا، تطمح اليوم لتنويع شراكتها مع إيطاليا، الصين، أمريكا، وغيرها من الدول، ينشطون في الطاقات المتجددة، الصناعات الغذائية، الأمن الغذائي، الأمن الرقمي، شركات “رابح رابح”، وغيرها، كل هذا يصب ضمن جلب أكبر عدد من الاستثمارات الأجنبية وتنويعها.
في ضوء هذا المشهد المتشابك، يبدو أن العلاقات الجزائرية الفرنسية دخلت مرحلة جديدة من التعقيد، تفرض على الطرفين مراجعة شاملة لطبيعة المصالح المتبادلة وآليات التواصل السياسي والدبلوماسي. فالمعادلة لم تعد محكومة فقط بالتاريخ والذاكرة، بل أصبحت ترتكز على موازين قوى جديدة تصوغها الجغرافيا الاقتصادية والاستقلالية الاستراتيجية التي تسعى إليها الجزائر، مقابل هشاشة داخلية تواجهها فرنسا بفعل تحولات سياسية عميقة. وبالتالي، فإن أي محاولة لإعادة ضبط العلاقات لن تنجح إلا إذا تخلت باريس عن نظرتها الفوقية، وتعاملت مع الجزائر كشريك ندّي، قادر على فرض شروطه وصياغة موقعه الإقليمي والدولي وفق رؤيته الوطنية ومصالحه السيادية.
بقلم ..أمينة غاني
إرسال التعليق