الجزائر لن تسكت: الكيان الإماراتي المصطنع يتجاوز كل الخطوط الحمراء
في تصعيد جديد يكشف عمق الحقد الدفين والعداء المستحكم، أقدم النظام الوظيفي في دويلة الإمارات المصطنعة، مرة أخرى، على نفث سمومه تجاه الجزائر، القلعة الشامخة والعصية على الانكسار. لم يعد الأمر مجرد مناوشات سياسية عابرة أو خلافات دبلوماسية يمكن احتواؤها، بل بلغ السيل الزبى بتجاوز هذا الكيان الهجين لكل الخطوط الحمراء، ولكل الأعراف والقيم، مستهدفا هذه المرة بشكل مباشر وخسيس أغلى ما يملكه الجزائريون: وحدتهم الوطنية الراسخة، وثوابت هويتهم الضاربة في جذور التاريخ، ومقدسات دستورهم الذي ارتوى بدماء مليون ونصف المليون شهيد. فمن خلال إحدى أبواقه الإعلامية المأجورة والمشبوهة، والتي لا تجيد سوى بث الفتنة وترويج الأكاذيب، تم إطلاق سهام مسمومة في محاولة يائسة وبائسة للتشكيك في نسيج الأمة الجزائرية وتاريخها المجيد.
استهداف الوحدة والهوية.. جريمة لا تغتفر
إن ما حدث ليس مجرد برنامج تلفزيوني عابر أو زلة لسان غير محسوبة، بل هو جزء من مخطط ممنهج ومدروس لضرب استقرار الجزائر وزعزعة ثوابتها الوطنية. لقد تجرأت هذه الدويلة، التي لا يتجاوز عمرها بضعة عقود مقارنة بتاريخ الجزائر الممتد لآلاف السنين، على المساس بما هو أقدس من النفط والغاز، وأثمن من كل كنوز الأرض: لحمة الشعب الجزائري وتنوعه الثري الذي يشكل مصدر قوته، وأسس هويته الأمازيغية العربية الإسلامية التي صهرتها قرون من النضال والمقاومة. الأسئلة التي طرحت في البرنامج المشبوه كانت مفخخة بنوايا خبيثة، والأجوبة التي قدمت، على لسان أدوات رخيصة باعت ضميرها في سوق المؤامرات، جاءت وقحة، متجردة من أي أساس علمي أو تاريخي، وبعيدة كل البعد عن الموضوعية والنزاهة. إنها عودة بائسة لأسطوانة مشروخة عفى عليها الزمن، تحاول عبثا إحياء نعرات بالية وزرع بذور الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، متوهمة أن ذاكرة الجزائريين قصيرة أو أن ولاءهم لوطنهم قابل للمساومة.
تاريخ من الدسائس ونكران الجميل
ليست هذه المرة الأولى التي تكشر فيها “إمارات الشر” عن أنيابها تجاه الجزائر. فهذه الدويلة، التي قامت على رمال متحركة وبدعم خارجي، حولت نفسها، منذ نشأتها الهشة قبل خمسة عقود، إلى وكر للمؤامرات ومصنع لإنتاج الفتن والأزمات في المنطقة العربية وخارجها. لقد تناست، أو بالأحرى تتناسى عن عمد، مواقف الجزائر الداعمة والناصرة لها في بدايات تأسيسها، حين كانت الجزائر، بتاريخها ونضالها وسمعتها الدولية، سندا وعونا لكثير من الكيانات الناشئة. لكن يبدو أن طبيعة الأنظمة الوظيفية تأبى إلا أن تكون خادمة لأجندات أسيادها، وأن ترد الجميل بالنكران والإساءة. لقد اختارت دويلة الإمارات أن تدير ظهرها لكل قيم الأخوة والمودة، ولكل “قداسة الملح” التي يؤمن بها الجزائريون الشرفاء، مفضلة الانغماس في دور العراب للتطبيع المخزي، ولعق أحذية قوى الشر والاستكبار التي يقض مضاجعها صمود الجزائر ومواقفها الرافضة للهيمنة والتبعية. إنهم أولئك الذين باعوا كل شيء، حتى العرض والحياء والشرف، لأسيادهم السفاحين، قتلة الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين وغيرها، فكيف يرتجى منهم خير أو وفاء؟
صبر الجزائر الاستراتيجي وحكمتها المعهودة
لقد تحلت الجزائر، عبر تاريخها الطويل والحافل، بحكمة عريقة وتبصر عميق، وتعاملت مع الكثير من الاستفزازات والمؤامرات بهدوء وتعقل وسعة صدر، مدركة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها كدولة محورية وصاحبة تاريخ مجيد. وجهت الجزائر تنبيهات متكررة، مباشرة ، لهؤلاء المتآمرين لعلهم يتورعون، ولأولئك الفاقدين للشرف لعلهم يسترجعون بعضا من كرامتهم المهدورة. لكن يبدو أن حكمة الجزائر وصبرها فسرا ضعفا، وأن ترفعها عن الصغائر اعتبر تراجعا. لقد أصر الأقزام القائمون على “مصنع الشر” على المضي قدما في غيهم وعدوانهم، متوهمين أن بإمكانهم النيل من صمود الجزائر ووحدة شعبها.
جزائر الشهداء خط أحمر
فليعلم هؤلاء الأقزام، ومن يقف وراءهم ويمولهم ويحركهم، أن الجزائري الأبي، حفيد العظماء ماسينيسا ويوغرطة والملكة الكاهنة والفاتحين عقبة بن نافع وطارق بن زياد، وسليل خير الدين بربروس، ووريث الأمير عبد القادر والمقاومين الشيخ آمود والشيخ بوعمامة، وتلميذ ابن باديس، وابن شهداء الثورة الميامين أمثال بلوزداد وبن بولعيد وبن مهيدي وكريم بلقاسم ورابح بيطاط وبوضياف وديدوش مراد، أن هذا الجزائري، الذي تمتد جذوره في أعماق هذه الأرض الطيبة وترتفع هامته شموخا وعزة إلى عنان السماء، يمكنه أن يتجاوز عن الكثير، وأن يصفح عن بعض الإساءات الصادرة عن “شقيق مزعوم” أو “صديق متآمر”، لكنه أبدا، وتحت أي ظرف، لن يغض الطرف عن التطاول على وحدته الوطنية، أو المساس بمقدسات هويته وثوابت دستوره. إن هذه الثوابت ليست مجرد حبر على ورق، بل هي ميراث الشهداء وعهد الأجيال. فليحذر المتطاولون، وليفهم المأجورون: أن اليد التي تمتد إلى وحدة الجزائر سوف تقطع، والقدم التي تطأ كرامتها سوف تبتر، واللسان الذي يبث سموم الفتنة بين أبنائها سوف يقلع من جذوره. إن الجزائر، بتاريخها وشعبها وجيشها ومؤسساتها، ستبقى عصية شامخة، ولن يزيدها حقد الحاقدين وكيد الكائدين إلا قوة ومنعة وإصرارا على المضي قدما في طريق العزة والسيادة والكرامة.
وهيب قورصو
إرسال التعليق