8 أكتوبر 1957…حين نطقت القصبة بالحياة وسط الركام
في مساءٍ لا يُنسى من أكتوبر 1957، كانت القصبة العتيقة على موعدٍ مع الخلود.
لم تكن حجارتها تعلم أنّ بين جدرانها يختبئ التاريخ في أسمى تجلياته، وأنّ بيتًا صغيرًا في أحد أزقتها الضيقة سيغدو محرابًا للشهادة ومهدًا للمجد.
هناك، في قلب العاصمة التي تنبض بالعروبة والكرامة، اجتمع أربعةٌ آمنوا بأنّ الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع.
علي عمار المدعو علي لابوانت، ابن القصبة الذي تمرّد على الفقر والظلم ليصير أسطورةً تروى، وحسيبة بن بوعلي، زهرة الجزائر التي أزهرت في ميادين النار بدل قاعات الجامعة، تركت حلمها الأكاديمي لتكتب حلم الوطن.
إلى جانبهما كان محمود بوحميدي، الثائر الهادئ الصلب، والطفل ياسف عمر، وجه البراءة الذي لم يكتمل عمره ليشهد فجر الاستقلال، لكنه شارك في إشعال فجره.
حين حاصرتهم قوات الاحتلال الفرنسي، عرضوا عليهم الاستسلام، فاختاروا الموت بعزة على حياةٍ من انكسار.
كانوا يعلمون أن البيت سينهار فوقهم، وأنّ السماء ستمطر نارًا، لكنهم لم يتراجعوا، لأنهم آمنوا أن الأوطان تُبنى على صدى “لا” تُقال في وجه المستبدّ.
دوّى الانفجار، فاهتزّت القصبة، وسقطت الجدران، لكنّ الروح الجزائرية ارتفعت في عليائها، تكتب بالدم قصيدةً لا تنتهي.
ظنّ العدو أنّه أطفأ الشرارة، فإذا بها تتقد في كلّ زنقة، في كلّ قلب، في كلّ أمّ تزغرد لابنها الشهيد.
ومن تحت الركام، خرجت القصبة كأنها أمّ ثكلى تحمل في حضنها الوطن.
كانت تنظر إلى السماء وتقول: هؤلاء أبنائي… لم يموتوا، بل صعدوا ليضيئوا الجزائر إلى الأبد.
ثمانية أكتوبر ليس تاريخًا في دفتر الثورة، بل نبض في ذاكرة أمة.
إنه اليوم الذي ارتفعت فيه الجزائر من بين الأنقاض لتقول للعالم:
“قد تفجرون بيوتنا… لكنكم لن تطفئوا نورنا.”
رحم الله حسيبة بن بوعلي، علي لابوانت، محمود بوحميدي، والطفل ياسف… أحياءٌ هم في ضمير الوطن، وفي كلّ شبرٍ تنفّس حرية بعد أن رُوي بدمهم الطاهر.
من القصبة إلى الأبد… سيبقى صدى الانفجار العظيم نشيدًا يردده كل جزائري: هنا مرّوا، فصارت الأرض حرة.
بقلم : أمينة شارف



إرسال التعليق