”رمضان بلا تبذير… دعوة للعودة إلى جوهر الصيام الحقيقي”
مع إطلالة شهر رمضان المبارك، تزداد معدلات استهلاك المواد الغذائية بشكل ملحوظ في الجزائر، وللأسف تتفاقم معها ظاهرة التبذير الغذائي بصورة مقلقة. وتعد مناظر رمي الخبز والأطعمة في القمامة من المشاهد المؤسفة التي تسيء لقدسية هذا الشهر الفضيل، وتتنافى مع قيمه الروحية التي تدعو إلى الاعتدال والقناعة.
وفي إطار التصدي لهذه الظاهرة السلبية، انطلقت بولاية تيارت مؤخرًا مبادرة وطنية تحت شعار “معًا لرمضان بدون تبذير”. هذه الأيام الوطنية الإعلامية والتحسيسية حول مكافحة التبذير الغذائي وترشيد الاستهلاك، ستستمر من اليوم الأول من شهر رمضان الكريم وصولًا إلى ثالث أيام عيد الفطر المبارك.
وقد شهدت ساحة مقر مديرية التجارة بتيارت مراسم الافتتاح الرسمي لهذه التظاهرة التوعوية الهامة، بحضور طيف واسع من الفاعلين المحليين والمؤسسات المعنية. إذ حرص على الحضور ممثلون عن جهاز الشرطة بالولاية، إلى جانب مفتشية البيطرة، وغرفة التجارة والصناعة، فضلًا عن مسؤولين من مديرية الصحة وقطاع الشؤون الدينية والأوقاف، مما يعكس التكامل بين مختلف القطاعات في سبيل تحقيق أهداف هذه المبادرة.
ومن جهته، سجل المكتب الولائي للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه (APOCE) حضورًا فاعلًا في هذه المناسبة، حيث أكد أعضاؤه التزامهم الراسخ بالمساهمة الفعالة في نشر الوعي الاستهلاكي بين المواطنين، والتنبيه إلى المخاطر المتعددة للتبذير الغذائي، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي.
وبالنظر إلى برنامج هذه الأيام التحسيسية، فإنه يتضمن باقة متنوعة من الأنشطة الموجهة لمختلف شرائح المجتمع، حيث تتمحور حول تثقيف المستهلكين بخصوص سبل ترشيد استهلاك المواد الغذائية، وتجنب اللهفة في اقتناء السلع، والابتعاد عن تكديس المواد الغذائية بكميات تفوق الحاجة الفعلية. كما يولي البرنامج اهتمامًا خاصًا بالتوعية الصحية حول أهمية التقليل من استهلاك السكر والملح والمواد الدسمة، التي غالبًا ما يتم الإفراط في تناولها خلال شهر الصيام.
وفي هذا السياق، فإن التبذير الغذائي لا يقتصر تأثيره السلبي على المستوى الفردي فحسب، بل يمتد ليشمل الاقتصاد الوطني بأكمله. فالإحصائيات تشير إلى أن حجم الهدر الغذائي في الجزائر يتضاعف خلال شهر رمضان، مما يشكل استنزافًا للموارد وندرة لبعضها.
ومن ناحية أخرى، يشدد المختصون في التغذية على أهمية اعتماد نمط غذائي متوازن خلال الشهر الفضيل، والابتعاد عن الإفراط في تناول الأطعمة الدسمة والحلويات، التي لا تؤدي إلى الهدر المادي فحسب، بل تنعكس سلبًا على الصحة العامة، وتسبب مشاكل صحية متعددة كالسمنة وارتفاع ضغط الدم وداء السكري.
وباعتبار أن الشهر الفضيل هو شهر الصيام وتقليل الإسراف، فإنه يتوجب على الصائم تجنب التبذير بكل أشكاله. فقد حث الإسلام على الاعتدال في كل شيء، حيث قال تعالى في محكم تنزيله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: 31). كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه” (رواه الترمذي). هذه التعاليم النبوية الشريفة تدعونا إلى الاكتفاء بالقدر الضروري من الطعام والشراب، خاصة في شهر رمضان الذي يُفترض أن يكون فرصة للزهد والورع مراعاة للفقير، لا للإفراط والتبذير.
تُعتبر مبادرة “معًا لرمضان بدون تبذير” خطوة إيجابية على درب ترسيخ ثقافة استهلاكية واعية في المجتمع الجزائري، تسمو بالقيم الروحية والأخلاقية لشهر رمضان المبارك، وتساهم في الحفاظ على الموارد الغذائية الوطنية وضمان استدامتها للأجيال القادمة. ولعل النجاح الحقيقي لهذه المبادرة يكمن في تحويلها من مجرد شعار موسمي إلى سلوك يومي راسخ في حياة المواطن الجزائري طوال العام.
وهيب قورصو


إرسال التعليق