تقوية الجبهة الداخلية… ضرورة ملحة في زمن الاضطرابات
في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، من أزمات اقتصادية متلاحقة و صراعات إقليمية متصاعدة إلى حروب إعلامية و مؤامرات تستهدف استقرار الدول، تبرز الحاجة الملحة لتقوية الجبهة الداخلية كخط دفاع أول يحصن الأوطان من كل تهديد خارجي أو داخلي.
الجبهة الداخلية لم تعد مجرد شعار سياسي يرفع عند الأزمات، بل أصبحت حجر الزاوية لأي سياسة رشيدة تستهدف استقرار الدولة و استمرارية مؤسساتها، فأي اختراق داخلي، مهما كان صغيرا، يمكن أن يُستغل لزعزعة الأمن، و إرباك المشهد الوطني، و التشكيك في السيادة.
و تكمن أولى خطوات التحصين في تعزيز الوحدة الوطنية، بعيدا عن كل أشكال التفرقة الجهوية أو الإيديولوجية، و ذلك من خلال نشر ثقافة الحوار و تغليب صوت العقل و المصلحة العليا للبلاد ، كما يجب محاربة كل خطاب يُذكي الفتنة أو يشكك في رموز الدولة و مؤسساتها.
أما العدالة الاجتماعية فهي صمام الأمان، إذ لا يمكن الحديث عن استقرار داخلي في ظل شعور فئات واسعة من الشعب بالتهميش أو الإقصاء ، العدالة تقتضي ، محاربة فعلية للفساد، و توفير ظروف معيشية كريمة تحفظ للمواطن كرامته و تشعره بانتمائه الفعلي إلى وطنه.
و في مواجهة سيل المعلومات و التضليل، يبرز دور الإعلام الوطني الواعي، القادر على رفع منسوب الوعي الجماعي، و تفنيد الإشاعات، و مواجهة الحملات الممنهجة التي تستهدف معنويات الشعوب ، إعلام يرقى إلى مستوى التحديات، بعيدا عن الإثارة و الاصطفافات الضيقة.
و لا يمكن كذلك إغفال المشاركة السياسية باعتبارها قناة التعبير الحضاري عن تطلعات المواطن. فكلما اتسعت دوائر المشاركة، ضاق هامش الاستغلال و التجييش، و عندما يشعر المواطن أن صوته مسموع، يصبح أكثر استعدادا للدفاع عن وطنه.
في النهاية، تقوية الجبهة الداخلية ليست ترفا سياسيا، بل هي معركة يومية تُخاض في المدرسة، في الإعلام، في المؤسسة، و في الشارع ، هي معركة وعي و صبر و ثقة متبادلة بين الحاكم و المحكوم.
في زمن الانكشافات الكبرى، لا يبقى من الحصون إلا ما بُني على أسس صلبة من التماسك ، العدالة و الصدق.
غانس أمحمد
إرسال التعليق