السيادة الوطنية و الاستقلال الاقتصادي في الجزائر, تحديات الحاضر و تكالب الأمس
تعد السيادة الوطنية و الاستقلال الاقتصادي من أهم القيم التي ناضل من أجلها الشعب الجزائري طوال تاريخه، و خاصة خلال الثورة التحريرية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي ، فقد أدرك الجزائريون مبكرا أن الحرية السياسية لا تكتمل إلا بالقدرة على التحكم الكامل في مقدراتهم الاقتصادية، لأن التبعية الاقتصادية كانت دائا الوسيلة الأخطر للهيمنة و السيطرة،
اليوم، و بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، لا تزال الجزائر تسعى لترسيخ هذه السيادة و تعزيز استقلالها الاقتصادي، إدراكا منها أن التحرر السياسي لا معنى له إذا بقي الاقتصاد الوطني رهين تقلبات الأسواق الأجنبية و ضغوطات القوى الكبرى، و رغم الإنجازات التي حققتها الجزائر منذ الاستقلال، إلا أن الاعتماد المفرط على صادرات المحروقات جعل الاقتصاد الوطني عرضة للأزمات العالمية، مما يفرض تحديات إضافية أمام مشروع بناء اقتصاد متنوع و قوي يضمن الاستقلال الفعلي للقرار الوطني،
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن الجزائر تواجه اليوم أشكالا جديدة من التهديدات و التكالب الغربي الذي يسعى إلى إضعافها و إبقائها ضمن دائرة النفوذ الاقتصادي و السياسي، فرنسا التي لم تتقبل بعد فقدان مستعمرتها السابقة، تبقى في مقدمة هذه القوى التي تحاول التدخل بطرق مختلفة، سواء عبر حملات إعلامية مسمومة أو عبر ضغوطات سياسية و اقتصادية تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر و منعها من تحقيق انطلاقتها الحقيقية، هذا التكالب ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة إدراك القوى الاستعمارية القديمة أن الجزائر بموقعها الجغرافي و ثرواتها الطبيعية و طموحات شعبها تمثل عنصر قوة إقليمي لا يمكن الاستهانة به،
كما أن السياسات الجزائرية المستقلة، سواء في مواقفها الإقليمية أو الدولية، و رفضها للانصياع لإملاءات الخارج، جعلتها هدفا مستمرا لمؤامرات تهدف إلى التأثير على قرارها السيادي، غير أن وعي القيادة الجزائرية بهذه المخاطر دفعها إلى تبني استراتيجيات جديدة تقوم على تنويع مصادر الدخل، الاستثمار في الفلاحة و الصناعة و الطاقات المتجددة، دعم المؤسسات الصغيرة و المتوسطة، و السعي نحو شراكات اقتصادية متوازنة مع دول تحترم سيادتها.
إن معركة الجزائر اليوم من أجل الاستقلال الاقتصادي لا تقل أهمية عن معركتها بالأمس من أجل الاستقلال السياسي، فكما طردت المستعمر بالسلاح و الكفاح، تسعى اليوم لطرد التبعية الاقتصادية عبر العمل و التخطيط و التحرر من عقلية الريع، و رغم التحديات، فإن الجزائر تملك من الإمكانات الطبيعية و البشرية ما يؤهلها لفرض مكانتها كدولة قوية و سيدة على أرضها و قراراتها،
فالسيادة الوطنية ليست مجرد شعار يرفع، بل هي ممارسة يومية في الاقتصاد و السياسة و الثقافة، و الجزائر، بتجربتها التاريخية و وعي شعبها، قادرة على التصدي لكل محاولات الهيمنة و استكمال بناء مشروعها الوطني المستقل.
غانس أمحمد
إرسال التعليق