“البالة” تغيّر وجه السوق السورية.. والصناعة المحلية على محك التحدي
انتشرت “البالة” (ملابس مستعملة) في سوريا بشكل كبير، بحكم الواقع المعيشي الصعب الذي يعاني منه السوريون، فأصبحت خيارا أوحدا لدى شريحة كبيرة منهم حيث توفر ملابس بأسعار منخفضة.
!["البالة" تغيّر وجه السوق السورية.. والصناعة المحلية على محك التحدي](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/article/67ac4eb64236040f19008d3b.jpg)
ومع سقوط النظام، رفعت القيود التي كان يفرضها رجالاته على هذه التجارة، وصار استيرادها متاحا لمن يشاء بعدما كان في السابق حكرا على أناس دون غيرهم مرتبطين به.
الخيارات الواسعة
المبلغ البسيط الذي حمله رامي معه إلى سوق البالة في منطقة الشيخ سعد بدمشق كان كفيلا بتلبية احتياجات أولاده الثلاثة من اللباس والكسوة. موظف البريد الذي كان يبحث عن “سترة الحال” وجد نفسه أمام خيارات واسعة من الماركات العالمية المعروضة على بسطة متواضعة في شارع الثورة، والتي لا تزال “محافظة على قدرها” كما يقول لـ”RT”.
لدرجة أنه كان يصور عدة معاطف ويرسلها على الواتساب إلى زوجته في المنزل، طالبا منها مساعدة الأولاد في اختيار إحداها.
![](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/original/67ac4eeb4236040ecf4101de.jpg)
“جميل أن يملك الفقير ترف الاختيار والمفاضلة بين عدد كبير من الألبسة”، يقول رامي لموقعنا، مشيرا إلى أن الأمر كان سيبدو كارثيا لو أنه اتجه كما في السابق إلى محل للألبسة الجديدة الجاهزة، حيث الأسعار تكوي النفوس قبل الجيوب، والاسترخاء يقود بالضرورة إلى اقتناء بضاعة سيئة، خلافاً للبالة التي تنتمي في مجملها إلى ماركات عالمية، بعضها لا يزال في كرتونته أو أنه لم يلبس لأكثر من مرة واحدة.
خالد، صاحب بسطة بالة على أحد الأرصفة في منطقة الشيخ سعد بدمشق، لفت في حديثه لـ”RT” إلى وجود إقبال كبير من السوريين على ملابس “البالة”، مشيراً إلى أن أسعار قطع الملابس للأطفال تبدأ من 2000 ليرة سورية للقطعة الواحدة، بينما تبدأ أسعارها من 10000 ليرة سورية حين يتعلق الأمر بالملابس المخصصة لفئة الشباب، ذكوراً كانوا أم فتيات، فيما تبقى هناك فروقات في الأسعار بين البسطات نفسها تبعاً لجودة القطعة والعلامة التجارية التي تحملها.
![](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/original/67ac4eec4236040ecf4101e0.jpg)
وبلغ سعر صرف الدولار 10000 ليرة سورية في السوق السوداء، بينما رفع المصرف المركزي سعره إلى 13200 ليرة.
وتتضمن بسطات البالة في سوريا كل أنواع الألبسة (كنزات، بناطيل، معاطف، أحذية).
ما هي مصادر البالة؟
يشير لؤي، صاحب بسطة “بالة” في منطقة البرامكة في العاصمة دمشق، إلى أن ملابس “البالة” متوفرة اليوم بكثرة في سوريا، حيث يوجد مصدران لدخولها إلى السوق: أولها محلي، يرتبط برغبة عدد كبير من الأسر السورية في بيع جزء من ملابسهم بغية توفير السيولة التي يشترون بها مستلزمات أخرى، فضلاً عن قيام تجار باستيرادها من عدد من البلدان أهمها تركيا ولبنان.
![](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/original/67ac4eeb4236040ecf4101df.jpg)
ويؤكد لؤي في حديثه لموقعنا أن وجود هذه الكمية الكبيرة من ملابس “البالة” في السوق السورية فرضت حالة من التوازن بالنسبة للأسعار، حيث باتت في متناول الغالبية العظمى من السوريين، خلافاً لما كان عليه الأمر في زمن النظام السابق، حين كانت أسعار ملابس “البالة” قريبة من أسعار الألبسة الجديدة الغالية، بل إنها كانت تتجاوزها في كثير من الأحيان نتيجة احتكار شخصيات قريبة من السلطة لعملية استيراد “البالة”، ووجود إتاوات لهذه الغاية تفرض رفع الأسعار والتحكم فيها، بدلاً من خلق منافسة حقيقية تحتم على السوق إحداث التوازن المطلوب في الأسعار.
تأثير سلبي على صناعة الألبسة السورية
يرى خبراء اقتصاديون سوريون أن قيام الأسر السورية، عقب سقوط النظام السابق، بتخزين كميات كبيرة من ملابس “البالة” الشتوية منها والصيفية تكفي لمدة زمنية طويلة، سيضر كثيراً بصناعة الألبسة الوطنية ويسبب لها حالة من الركود، مشيرين إلى أن البالة تدخل بشكل فوضوي إلى الأسواق السورية، شأنها في ذلك شأن بقية السلع الغذائية والوقود التي لا تخضع لرسوم جمركية، الأمر الذي يحرم خزينة الدولة من عوائد مادية كبيرة.
![](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/original/67ac4eed4236040ecf4101e1.jpg)
ويشدد الخبراء الاقتصاديون السوريون على أن وجود “البالة” بشكل كبير، وعدم إلزام مستورديها بدفع الإتاوات كما كان عليه الحال أيام النظام السابق، وانخفاض سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، تسبب في رخصها، الأمر الذي سلط على الصناعيين السوريين سيفاً ذا حدين. فهذا الأمر قد أضر بهم من جانب حين ضرب الكساد بضاعتهم، ومن جانب آخر فإنه سيدفعهم إلى تخفيض أسعارهم بعد تحسين جودة منتجهم وجعله منافساً للبضاعة المستوردة، ولو على المدى المتوسط، بحيث يبقى لهؤلاء موطئ قدم في العملية الإنتاجية.
وخلال أعوام الأزمة الطويلة في سوريا، انحدر مستوى المنتج المحلي لأسباب كثيرة تتعلق بالحصار والركون لفكرة عدم وجود منافس يوازن الأسعار ويحسن الجودة. ومع ذلك، كان الصناعيون والتجار يسوقون بضاعتهم بأسعار تناسبهم دون معاناة تذكر على قاعدة:
“لسنا الأفضل لكننا الوحيدون”.
![](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/original/67ac4eed4236040ecf4101e2.jpg)
![](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/original/67ac4eef4236040ecf4101e4.jpg)
![](https://mf.b37mrtl.ru/media/pics/2025.02/original/67ac4ef04236040ecf4101e5.jpg)
المصدر: RT
إرسال التعليق