جاري التحميل الآن

​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​المكتبة الرئيسية بتيارت في رمضان: إشعاع ثقافي يجمع بين  المعرفة والإبداع​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​

​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​المكتبة الرئيسية بتيارت في رمضان: إشعاع ثقافي يجمع بين  المعرفة والإبداع​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​

تحولت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية المجاهد محمد الميلي بولاية تيارت خلال شهر رمضان المبارك إلى منارة ثقافية تشع بالنشاطات المتنوعة، مستقطبة مختلف شرائح المجتمع في أجواء روحانية مفعمة بالإبداع والمعرفة. وقد نجحت المكتبة في تقديم باقة غنية من الفعاليات الثقافية والتعليمية التي تناغمت مع خصوصية الشهر الفضيل، وأسهمت في تعزيز التواصل بين المؤسسة الثقافية والجمهور المحلي.

فعلى مدار الأسابيع الماضية، شهد فضاء المكتبة إقبالاً لافتاً على الأنشطة المبرمجة، حيث تم تخصيص فقرات متنوعة للأطفال والمثقفين وذوي الاحتياجات الخاصة. وفي هذا السياق، برزت ورشة الروبوت والذكاء الاصطناعي التي أشرف عليها الدكتور آيت يحي وليد أيام السبت كنشاط أساسي يستهدف تطوير مهارات الناشئة في مجال التكنولوجيا الحديثة، مما يعكس رؤية المكتبة المستقبلية في مواكبة التطورات العلمية.

وبالتوازي مع ذلك، استفاد الأطفال من ورشة السوروبان والحساب الذهني التي قدمتها المدربة وئام صحراوي في الحادي عشر من مارس، والتي هدفت إلى صقل قدراتهم الذهنية وتعزيز مهاراتهم في الرياضيات، الأمر الذي لقي استحساناً كبيراً من أولياء الأمور الحريصين على تنمية مواهب أبنائهم خلال العطلة الرمضانية.

وفي إطار الاحتفال باليوم العربي للمكتبات الذي يصادف العاشر من مارس، نظمت المكتبة فعالية ثقافية مميزة تحت عنوان “قراءات حول العلامة عبد الرحمن ابن خلدون: سيرة ومسيرة”، قدم خلالها الدكتور بلقاسم بن عودة محاضرة قيمة سلط فيها الضوء على إسهامات ابن خلدون في تأسيس علم الاجتماع، وأثره العميق في الفكر الإنساني. وقد تخلل هذه الفعالية معرض كتاب متنوع من رصيد المكتبة، تضمن مؤلفات نادرة تعكس غنى التراث العربي وتنوعه.

ولم تقتصر أنشطة المكتبة على الجانب الأكاديمي فحسب، بل امتدت لتشمل الجوانب الأدبية والإبداعية، حيث نظمت أمسية شعرية في الثالث عشر من مارس ضمن فعالية “خيمة الشعر”، استضافت خلالها عدداً من الشعراء والأدباء المحليين الذين قدموا إبداعاتهم وسط أجواء رمضانية دافئة. وقد أضفت المأكولات التقليدية والشاي الصحراوي طابعاً خاصاً على الأمسية، مما عزز الهوية الثقافية المحلية.

ومن بين المبادرات البارزة التي أطلقتها المكتبة خلال هذا الشهر، تكريم الطفلة بن عمارة فريال التي سبق أن كرمها وزير الثقافة والفنون في الجزائر العاصمة، إضافة إلى تكريم العديد من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين الذين يساهمون في تنشيط المشهد الثقافي في المنطقة، في لفتة تعكس تقدير المكتبة للدور الحيوي الذي يلعبه هؤلاء في نشر الوعي الثقافي.

وبمناسبة اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة المصادف للرابع عشر من مارس، فتحت المكتبة أبوابها على مصراعيها لاستقبال هذه الفئة، من خلال تنظيم أيام مفتوحة بجناح المكفوفين، تم خلالها عرض أحدث الأجهزة المساعدة على القراءة، إلى جانب توفير مجموعة من الكتب بطريقة برايل، مما يعكس حرص المكتبة على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول إلى المعرفة.

وتماشياً مع روحانية شهر رمضان، أقامت المكتبة بالتعاون مع مديرية الشؤون الدينية والأوقاف وجمعية “إلهام منارة المعرفة الثقافية” مسابقة دينية للأطفال في الخامس عشر من مارس، تحت شعار “أسئلة وأجوبة”. وقد شكلت هذه المسابقة فرصة مثالية لتعزيز القيم الروحية والأخلاقية لدى الأطفال، وربطهم بالمعارف الدينية في أجواء تنافسية محفزة.

وعلى صعيد متصل، حرصت المكتبة على توفير فضاء دائم للاطلاع من خلال معرض الكتاب المستمر الخاص بمكتبة في بهو المكتبة، مما يتيح للزوار فرصة الاكتشاف المستمر للإصدارات الجديدة والعناوين المتنوعة التي تثري زادهم المعرفي طوال أيام الشهر الفضيل.

وفي ختام البرنامج الثقافي الرمضاني، قدمت إدارة المكتبة شهادات تقدير للمشاركين والمساهمين في إنجاح هذه الفعاليات، مؤكدة على أهمية التعاون المشترك بين مختلف الفاعلين في القطاع الثقافي لترسيخ المكتبة كمنارة للإشعاع الفكري في المنطقة.

إن هذا النشاط الثقافي الذي تشهده المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بتيارت خلال شهر رمضان، يعكس التحول النوعي في رؤية المؤسسات الثقافية لدورها المجتمعي، حيث تتجاوز وظيفة الإعارة التقليدية لتصبح فضاءً للإبداع والتفاعل الثقافي، وجسراً للتواصل بين مختلف شرائح المجتمع، خاصة في المناسبات الدينية والثقافية التي تشكل فرصة مثالية لتعزيز الهوية الوطنية وترسيخ القيم الثقافية الأصيلة.

وتجدر الإشارة إلى أن نجاح هذه الفعاليات يعود بالدرجة الأولى إلى التنسيق المحكم بين إدارة المكتبة ومختلف الشركاء من مؤسسات رسمية وجمعيات ثقافية، وكذلك إلى مشاركة المثقفين والمبدعين المحليين الذين لم يبخلوا بإسهاماتهم في إثراء المشهد الثقافي. كما يعكس الإقبال الجماهيري على هذه الأنشطة عطش المجتمع المحلي للثقافة والمعرفة، وهو ما يضع على عاتق المؤسسات الثقافية مسؤولية مضاعفة الجهود لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة.

وتبقى هذه المبادرات الثقافية المتنوعة التي تقدمها المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بتيارت نموذجاً يحتذى به في التفاعل الإيجابي مع المناسبات الدينية والوطنية، وفي تحويل شهر رمضان من مجرد فترة للصيام والعبادة إلى موسم ثقافي حافل بالإبداع والمعرفة، يعزز قيم التسامح والتعايش والانفتاح الفكري في المجتمع.

وهيب قورصو 

إرسال التعليق