المبايعة الأولى للأمير عبد القادر…لحظة فارقة أيقظت ضمير الأمة الجزائرية
تحيي الجزائر، هذا الأربعاء، حدثا بارزا يتمثل في الذكرى الـ192 للمبايعة الأولى للأمير عبد القادر، وهي محطة تاريخية هامة كرست مشروعية بناء الدولة الجزائرية الحديثة، وساهمت إلى حد كبير في دفع الجزائريين نحو اختيار نهج المقاومة “السبيل الأوحد” لنيل الحرية والاستقلال.
تحت ظل شجرة “الدردارة” في سهل “غريس” قرب مدينة معسكر، راهن زعماء قبائل وعلماء بتاريخ الـ27 نوفمبر 1932 على شخصية الأمير عبد القادر الفذة، للم شمل الجزائريين ورص صفوفهم لمجابهة الاستعمار، لتكون هذه اللحظة الفارقة بمثابة اللبنة الأولى لإرساء دولة جزائرية حديثة يربطها عقد اجتماعي وسياسي، وحقوق وواجبات بين الحاكم والشعب.
مشروع اجتماعي حضاري
لا يختلف الجزائريون في اعتبار “البيعة ” مشروعا اجتماعيا حضاريا، ساهم إلى حد كبير في إيقاظ ضمير الأمة الجزائرية وتحسيسها بالمسؤولية في مقاومة كل أشكال الاستعمار، وذلك وفق إرادة شعبية وطنية للم شمل القبائل والقضاء على الفساد، ومواصلة الجهاد.
وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ في التاريخ أحمد مريوش في تصريح خص به “ملتيميديا الإذاعة الجزائرية”، أن بيعة الأمير عبد القادر تعتبر حلقة هامة في تاريخ الجزائر بعد الاحتلال الفرنسي، حيث جاءت نتيجة سقوط الجزائر العاصمة في الـ05 جويلية 1830، وعقد اتفاقية الاستسلام من طرف الداي حسين مع الجنرال “ديبورمون”، الأمر الذي دفع بمناطق في الغرب الجزائري إلى التفكير في المقاومة لمواجهة المستعمر الفرنسي الغاشم، فاستقروا على مبايعة شخصية وطنية تحمل جملة من المواصفات الدينية والتاريخية، تمثلت في شخصية الأمير عبد القادر، الذي أحدث من خلال “البيعة” نقلة نوعية في تنظيم الدولة الجزائرية، بعد أن منحته الشرعية لبداية العمل بطريقة منظمة.
شخصية مثيرة للإعجاب
ظلت شخصية الأمير عبد القادر محل تقدير وإعجاب لدى الكثير داخل وخارج الوطن، سواء كقائد سياسي وعسكري محنك، أو كمقاوم وشاعر قل نظيره، ما دفع بالسلطات العمومية إلى العمل على المحافظة على صورة هذا القائد في المخيال الجمعي للجزائريين.
وخلال السنوات الأخيرة، حرصت الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على المحافظة على رمزية الأمير التاريخية، من خلال العمل على إبراز شخصيته والتعريف به أكثر للأجيال القادمة، وهو ما ترجم من خلال إعطاء رئيس الجمهورية أوامر بإطلاق مناقصة دولية في الإنتاج والإخراج لإنجاز عمل سينمائي كبير حول الأمير عبد القادر، وذلك لما له من رمزية سامية بالنظر لمساره الذي أفناه في بناء الجزائر المعاصرة وإشعاعه الدولي، وما بذله في سبيل حماية الأقليات عبر العالم.
ولم يتوقف الاهتمام بهذه الشخصية الفذة عند هذا الحد، وإنما تجاوزه لمشروع آخر تجسد في الإعلان الرسمي عن مشروع لتشييد تمثال ضخم للأمير يٌنصب بمدينة وهران بأعالي جبل المرجاجو، تحت رعاية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والذي سينجز وفق تقنيات حديثة، ليكون معلما وإرثا ثمينا للأجيال، من خلال متحف مخصص لأعمال وإنجازات الأمير.
ويؤكد أحمد مريوش، أن الالتفاتة من السلطات العمومية بشخصية الأمير تحسب لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الذي أولى أهمية بالغة لملف الذاكرة، وكتابة التاريخ والأشرطة الوثائقية، وذلك ضمن إطار العمل على إيصال هذه قيمه ومبادئه للجيل الجديد، ناهيك عن إعطاء هذه الشخصية المكانة التي تستحقها في المجتمع الجزائري.
مصدر إلهام لشعوب العالم
على المستوى الدولي، يُنظر لشخصية الأمير بكثير من الإعجاب، فهو رمز للسلم والكفاح التحرري، حيث تعدت شهرته حدود العالم العربي، لتكون مصدر إلهام لسكان ولاية “أيوا” الأمريكية، الذين كان تأثير الأمير فيهم واضحا، حيث اختاروا تسمية “القادر” لإحدى مدنهم.
بالمقابل، قامت الفدرالية الروسية بتكريم للأمير عبد القادر بوضع نصب تذكاري خاص به وسط العاصمة موسكو، وهو الأول من نوعه لقائد مسلم وعربي في تاريخ هذه المدينة، وذلك تقديرا لإسهاماته ودوره في نشر قيم التسامح وحوار الأديان ومبادئ الإنسانية.
المصدر: ملتيميديا الإذاعة الجزائرية- عمار حمادي
إرسال التعليق