تيارت تحتفي بشهر التراث: تزاوج أصيل بين عبق الماضي وذكاء المستقبل
احتضنت دار الثقافة “علي معاشي” يوم السبت فعاليات الافتتاح الرسمي لشهر التراث، الذي يمتد إلى غاية الثامن عشر من ماي، وسط أجواء احتفالية ميزها الحضور الرسمي والثقافي والفني، حيث أشرف الأمين العام لولاية تيارت السيد رابح مراد يزة ، نيابة عن والي الولاية، على انطلاق التظاهرة التي نُظمت هذا العام تحت شعار “التراث الثقافي والذكاء الاصطناعي”، في تزاوج رمزي بين الأصالة والحداثة.
وقد جاءت كلمة ممثل والي الولاية لتؤكد على البعد العميق لهذا الحدث، إذ أبرز أهمية التراث كعنصر حي في بناء الهوية الوطنية، لا بوصفه ماضيًا يُستذكر فحسب، بل موردًا حضاريًا يجب استثماره بطريقة إبداعية تعزز الانتماء وتغرس في النشء قيم الاعتزاز والانفتاح، داعيًا إلى ضرورة تمرير هذا المخزون الحضاري للأجيال القادمة.
وفي ذات السياق، أكدت السيدة ماما بشير، مديرة الثقافة، أن هذه التظاهرة تنظم على غرار باقي ولايات الوطن وتُعد مناسبة سنوية للاحتفال بالتراث الثقافي، مشيرة إلى أن اختيار شعار السنة كان موفقًا، كونه يربط بين موروث الأجداد والذكاء الاصطناعي كأداة للحفاظ عليه وترويجه بوسائل حديثة، ما يفتح آفاقًا جديدة للباحثين والمختصين في المجال.
ومن جهته ، أوضح السيد تواب زواوي، مدير السياحة، أن مصالحه تشارك للسنة الثانية على التوالي في هذه المناسبة، وقد ساهمت هذه السنة بجناح خاص بالتعاون مع غرفة الصناعة التقليدية والحرف، حيث تم عرض نماذج من المنتوجات الحرفية التي تعكس عمق التراث المحلي، لاسيما ما يتعلق بالصناعات التقليدية ذات الطابع الثوري والتاريخي، والتي تُبرز خصوصيات ولاية تيارت السياحية والثقافية.
كما عرفت التظاهرة مشاركة فعالة لمختلف الفاعلين الجمعويين والحرفيين، حيث صرح رئيس إحدى الجمعيات الثقافية أن مشاركتهم شملت جناحين، أحدهما مخصص لديكور داخلي مستوحى من الطابع التقليدي، والآخر يسلط الضوء على أفرشة تقليدية وأطباق محلية مرتبطة بالتراث الغذائي للمنطقة، على غرار “الكسكس “، في محاولة لإحياء عادات الأجداد وتعريف الزوار بها.
ولم تغب الحرف التقليدية عن هذا الموعد، فقد أكد الحرفي عبد الهادي عمر، المختص في الحدادة الفنية وتلحيم المعادن، أن مشاركته تأتي بدافع الحفاظ على الموروث الوطني، معتبرًا أن الحرفي يؤدي دورًا يشبه مهمة المؤرخ، حيث يخلّد تاريخ الأمة بطريقته الخاصة من خلال فنونه اليدوية التي تعبّر عن هوية المجتمع.
أما غرفة الصناعة التقليدية فكان حضورها مميزًا من خلال عرض منتجات يدوية تمثلت في الفخار، السروج، مستلزمات الخيل، والنحاس، وكلها مصنوعة بأنامل حرفيي تيارت، مما يعكس براعتهم ويبرز استمرارية الحرف التقليدية في الحفاظ على طابعها الأصيل رغم التطورات التي يعرفها العصر.
وفي جناح آخر، عرضت ملحقة المركز الوطني للمخطوطات بتلمسان نموذجًا متكاملًا لخزانة تراثية تُجسد مختلف مراحل العناية بالمخطوطات، من الجرد والفهرسة إلى الرقمنة والتجليد والترميم. وصرّح المرمم مندلي رشيد بأن من بين الأهداف الأساسية لهذه المشاركة هو التعريف بتقنيات الحفاظ على المخطوطات وتقديم تطبيق رقمي يسمح بتصفحها عبر الأجهزة الذكية، بما يساهم في حمايتها من التلف وفتح المجال للباحثين للاطلاع عليها عن بُعد.
وتضمنت التظاهرة الثقافية عروضًا فنية وفلكلورية متنوعة وإلقاءات شعرية ، بالإضافة إلى معارض للصناعات التقليدية، شكّلت في مجموعها لوحات فنية تعكس مدى غنى الموروث الثقافي المحلي، وتُسهم في تعزيز الانتماء، وتوثيق العلاقة بين الأجيال والذاكرة الجماعية للأمة.
وهكذا، شكّلت فعالية افتتاح شهر التراث بتيارت مناسبة لتجديد الوعي بقيمة الموروث الثقافي، وللتأكيد على الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في الحفاظ عليه وتطويره، ضمن رؤية تنموية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأصالة والمعاصرة معًا.
وهيب قورصو
إرسال التعليق